للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثمّ انعطف عليهم بكلمة فيها الثقة، وفيها العدالة، وفيها حكمة هذا التفاوت في الفرض والعطاء، فقال:

«أوجدتم عليّ يا معشر الأنصار في أنفسكم، في لعاعة «١» من الدّنيا، تألّفت بها قوما ليسلموا، ووكلتكم إلى إسلامكم» .

ثم قال كلمة لم يتمالكوا أمامها، فانفجر الإيمان والحنان في نفوسهم، وتدفّق، قال:

«ألا ترضون يا معشر الأنصار! أن يذهب النّاس بالشّاء والبعير، وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ فو الذي نفس محمد بيده، لمّا تنقلبون به خير ممّا ينقلبون به، ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار، ولو سلك النّاس شعبا وواديا، وسلكت الأنصار شعبا وواديا لسلكت شعب الأنصار وواديها، الأنصار شعار، والناس دثار، اللهمّ ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار» .

وبكى القوم حتّى أخضلوا لحاهم، وقالوا: «رضينا برسول الله قسما وحظّا» «٢» «٣» .


(١) لعاعة: بقلة خضراء وناعمة، شبه بها زهرة الدنيا ونعيمها [ومنه «ما بقي في الإناء إلّا لعاعة» والمعنى بقية يسيرة] .
(٢) أصل الرواية في الصحيحين، وساقه ابن القيم في «زاد المعاد» أجمع وأشمل الطرق فاعتمدنا عليه، راجع الجامع الصحيح للبخاري، [كتاب المغازي] باب «غزوة الطائف» [رقم الحديث (٤٣٣٠) ، و «صحيح مسلم» كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام..، برقم (١٠٦١) ، و «مسند الإمام أحمد» (٤/ ٢٤) ، من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه، وأخرجه أحمد أيضا (٣/ ٧٦) ، وابن هشام في السيرة (٢/ ٤٩٨- ٤٩٩) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه] .
(٣) [وفي الحقّ أنّ هذه الخطبة فريدة في لغات العالم، وإنها كما قال مولانا الداعية المجدّد أبو الحسن علي الحسني الندوي حين اطّلع على شرحي لهذه الخطبة فقال: إنّي أحسن ستّ-

<<  <   >  >>