للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليها «١» ، فما مضى على هذا الانتصار الرائع عامان، حتّى خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة يريد الروم.

وقد مهّد الله بهذا الغزو الذي كان له أثر عميق في نفوس العرب، لغزو المسلمين للشام في عهد الخليفتين أبي بكر وعمر، وكان ذلك سندا له.

ويقال في سبب هذه الغزوة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اتصل به نبأ تهيّؤ الروم لغزو حدود العرب الشمالية، قال ابن سعد وشيخه الواقديّ: «إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه من الأنباط أنّ هرقل رزق أصحابه لسنة وأجلبت معهم لخم وجذام وعاملة وغسان وغيرهم من متنصّرة العرب، وجاءت مقدّمتهم إلى البلقاء» «٢» .

وسواء صحّت هذه الرواية أو لم تصحّ، فقد كانت الغاية في الحقيقة من هذه الغزوة إرهاب الدولة المجاورة، التي كانت تخاف معرّتها على مركز الإسلام والمسلمين، وعلى الدعوة الإسلاميّة الزاحفة وقوّتها الناشئة، ومنعها من أن تطمع في غزو المسلمين في عقر دارهم، وأن تعتبرهم مالا سائبا أو لقمة سائغة، فمن كان هذا شأنه لا يتقدّم بجيوشه إلى هذه الإمبراطورية العظيمة، ويدخل في حدودها متحدّيا متهدّدا، وتلك هي الحكمة التي ذكرها القرآن في سياق الآيات التي نزلت في غزوة تبوك، وقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [التوبة: ١٢٣] .

وقد تحقّقت هذه الغاية، فلم يقابل الروم هذا الزحف بزحف مقابل، وبتحرّكات عسكرية، بل كان هنالك نوع انسحاب مقابل هذا التحدّي السافر، وصاروا يحسبون لهذه القوّة الناشئة حسابا لم يحسبوه من قبل.


(١) فتح الباري: ج ١، ص ٣١.
(٢) الزرقاني على المواهب: ج ٢، ص ٦٣- ٦٤.

<<  <   >  >>