للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شديد حين طابت الثّمار والظّلال واستقبل سفرا بعيدا ومفازة «١» وعدوا كثيرا، فجلّى للمسلمين أمرهم ليتأهّبوا أهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذي يريد «٢» ، وكان الزمن زمن عسرة الناس وجدب البلاد.

وتعلّل المنافقون بعلل، وكرهوا الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إشفاقا من العدوّ القويّ القاهر، وفرارا من الحرّ الشديد، زهادة في الجهاد، وشكّا في الحقّ، في ذلك يقول الله تعالى:

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ


- نوفمبر مقابل رجب سنة ٩ هـ، منهم العلامة شبلي النّعماني في كتابه الشهير «سيرة النبي» ، ولكنّ الشواهد الداخلية، والتصريحات التي جاءت في نص الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان وغيرهما من أصحاب الصحاح والسنن، تحتّم أن تكون هذه الغزوة قد وقعت في زمن الصيف، لقد جاء في صلب الحديث على لسان كعب بن مالك: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاها في حرّ شديد حين طابت الثمار والظلال» فليكن ذلك هو الميزان والحاكم في تحديد زمن هذه الغزوة، وكل ما لا يتفق معه لا يعول عليه. وفي روآية موسى بن عاقبة عن ابن شهاب: «في قيظ شديد في ليالي الخريف والناس خارفون في نخيلهم، وأكثر من ذلك قول المنافقين الذي نقله القرآن في سورة آل توبة، ثم رده عليهم، فقال: وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ [التوبة: ٨١] » [فتح الباري: ٨/ ١١٨] . وشهر نوفمبر في المدينة والحجاز، مبدأ الشتاء، وتطبيق التقويمين الشمسي والميلادي، والهلالي الهجري، من الأمور الصعبة، وقد كثر فيه الاضطراب لاختلاف أهل السير في مبدأ التقويم الهجري، هل كان من ربيع الأول أو من المحرم. وقد توصّل الأستاذ إسحاق الرّامفوري بعد استعراض طويل للحوادث والغزوات، وتطبيق بين التقويمين، أنّه كان شهر أبريل (نيسان) ولا يبعد عن الصواب، لأنه مبدأ الصيف في المدينة، إلا أنه ذكر أنه كان ذلك في سنة ٦٣٠ م، والعلامة شبلي النعماني عيّنها بسنة ٦٣٥ م، والله أعلم.
(١) مفازة: فلاة لا ماء فيها.
(٢) مقتبس من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه الذي رواه الشيخان [انظر تخريجه في صفحة ٤٩٢] .

<<  <   >  >>