للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكلّ ذلك لم يؤثّر في رابطة الحبّ والولاء، التي كانت تربطه برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يؤثّر كذلك في عطف رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ورأفته به، بل لم يزده هذا العتاب إلّا رسوخا في المحبة، ولوعة، وجوى، يقول:

«وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلّم عليه، وهو في مجلسه بعد الصلاة، فأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه بردّ السّلام أم لا؟ ثمّ أصلّي قريبا منه، فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل عليّ، وإذا التفتّ نحوه أعرض عنّي» .

فتنكّرت له الدّنيا وأعرض عنه من كانت له دالّة عليه، يقول: «حتّى إذا طال عليّ ذلك من جفوة النّاس، مشيت حتّى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمّي وأحبّ الناس إليّ، فسلّمت عليه، فو الله ما ردّ عليّ السلام، فقلت: يا أبا قتادة! أنشدك بالله هل تعلمني أحبّ الله ورسوله؟ فسكت فعدت له، فنشدته، فسكت، فقال: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي، وتولّيت حتّى تسوّرت الجدار» «١» .

ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تعدّى إلى أزواج هؤلاء الثلاثة، فأمروا أن يعتزلوهنّ، ففعلوا.

وجاءت أدقّ مرحلة من مراحل هذا الامتحان للحبّ والوفاء، والثبات والاستقامة، وذلك حين خطب ودّه ملك غسان، الذي كانت منادمته وحضور مجلسه شرفا يتنافس فيه المتنافسون، ويتغنّى به شعراء العرب سنين طوالا «٢» ، فجاءه- وهو في ضيق النفس، وجفوة النّاس، وإعراض


- قليل] .
(١) حديث كعب بن مالك في صحيح البخاري [قد سبق تخريجه قبل قليل في صفحة (٤٩٢) ] .
(٢) اقرأ قصيدة حسان بن ثابت الأنصاري في مدح آل جفنة، يقول فيها: [من الكامل]
لله درّ عصابة نادمتهم ... يوما بجلّق في الزمان الأوّل
-

<<  <   >  >>