للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من مظلمة ظلمها قطّ ما لم ينتهك من محارم الله تعالى شيء، فإذا انتهك من محارم الله، كان من أشدّهم غضبا، وما خيّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وإذا دخل بيته كان بشرا من البشر، يفلّي «١» ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه.

كان يخزن لسانه إلّا فيما يعنيه، ويؤلّفهم ولا ينفّرهم، ويكرم كريم كلّ قوم، ويولّيه عليهم، ويحذّر الناس، ويحترس منهم، من غير أن يطوي على أحد منهم بشره «٢» ، ولا خلقه.

ويتفقّد «٣» أصحابه، ويسأل الناس عمّا في الناس، ويحسّن الحسن ويقوّيه، ويقبّح القبيح ويوهيه «٤» ، معتدل الأمر غير مختلف، ولا يغافل مخافة أن يغافلوا ويملّوا، لكلّ حال عنده عتاد «٥» ولا يقصّر عن الحقّ، ولا يجاوزه، الذين يلونه من النّاس خيارهم، وأفضلهم عنده أعمّهم نصيحة، وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة «٦» ومؤازرة «٧» .

ولا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس، ويأمر بذلك، يعطي كلّ جلسائه نصيبه، ولا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه منه، من جالسه أو فاوضه «٨» في حاجة صابره حتّى يكون هو


(١) فلّى يفلّي فليا رأسه أو ثوبه: نقاهما من القمل.
(٢) بالكسر: طلاقة الوجه وبشاشته.
(٣) أي يتعرف ويطلب من غاب عنهم.
(٤) بتشديد الهاء وتخفيفها من التوهية والإيهاء: يضعفه.
(٥) بالفتح هو العدة والتأهب مما يصلح لكل ما يقع، ج أعتد، وعتد، وأعتدة.
(٦) المداراة، وهي إصلاح أحوال الناس بالمال والنفس.
(٧) المعاونة.
(٨) عامله في حاجة أو خالطه.

<<  <   >  >>