للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بها، وعلّق سيفه، فتفرّق الناس في الشجر يستظلّون، وبينما نحن كذلك، إذ دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئنا، فإذا أعرابيّ قاعد بين يديه، فقال: «إنّ هذا أتاني وأنا نائم، فاخترط عليّ سيفي، فاستيقظت، وهو في يده قائم على رأسي مخترط صلتا، قال: من يمنعك منّي؟ قلت: الله! فشامه «١» ، ثم قعد، فها هو ذا جالس» ، قال: ولم يعاقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم «٢» .

وقد كان حلمه يسع ما لا يسعه حلم الصحابة- وهم أصحاب حلم وأناة- وكان في كلّ ذلك معلّما رفيقا، ومصلحا رحيما.

من ذلك ما رواه أبو هريرة- رضي الله عنه- قال: بال أعرابيّ في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النّبي صلى الله عليه وسلم: «دعوه، وأريقوا على بوله سجلا من الماء، أو ذنوبا من ماء، فإنّما بعثتم ميسّرين، ولم تبعثوا معسّرين» «٣» .

وعن معاوية بن الحكم قال: بينا أنا أصلّي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله! فرماني القوم بأبصارهم، فقلت:

واثكل أمّياه! ما شأنكم تنظرون إليّ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمّا رأيتهم يصمّتونني لكنّي سكتّ، فلمّا صلّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فبأبي هو وأمّي، ما رأيت معلّما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه، فو الله ما نهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، فقال: «إنّ هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس،


(١) أي ردّه إلى غمده، وقيل: هو بمعنى سله ونظر إليه (مجمع بحار الأنوار، ج ٣) .
(٢) أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب: غزوة بني المصطلق [برقم (٢٩١٠) ، ومسلم في كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الخوف، برقم (٨٤٣) ] .
(٣) أخرجه البخاري في كتاب الوضوء [باب صبّ الماء على البول في المسجد، برقم (٢٢٠) ، والترمذي في أبواب الطهارة، باب ما جاء في البول يصيب الأرض، برقم (١٤٧) ، والنّسائي في كتاب الطهارة، باب ترك التوقيت في الماء، برقم (٥٦) ] .

<<  <   >  >>