الواعي مرورا عابرا سريعا، فإنّ مساحته الزمنيّة تحوي جميع الأجيال، والأدوار التاريخيّة التي تتلو البعثة المحمدية، ومساحته المكانيّة تسع العالم كلّه، فإنّ الله سبحانه وتعالى لم يقل: إنّنا أرسلناك رحمة لجزيرة العرب، أو للشرق أو الغرب أو لقارّة مثل آسيا مثلا، بل إنّه قال: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ [الأنبياء: ١٠٧] .
الحقّ أنّ سعة هذا الإعلان وشموله، وعظمته وسموّه، واستمراره وخلوده، كلّ ذلك يقتضي أن يقف عنده مؤرّخو العالم وفلاسفته، ونوابغه وأذكياؤه حيارى مشدوهين، بل يقف أمامه الفكر الإنسانيّ كلّه حائرا مشدوها، وينقطع إليه كلّيا- ردحة من الزمان- يبحث في مدى صدق هذا الإعلان، أو صحة هذا الواقع، لأنّنا لم نجد في تاريخ الأديان والنّحل، وفي تاريخ الحضارات والفلسفات وتاريخ الحركات الإصلاحيّة والمحاولات الثوريّة، بل في تاريخ العالم كلّه، وفي المكتبة الإنسانيّة بأسرها مثل هذا الإعلان المحيط بالكون كلّه، والأجيال البشريّة كلّها، والأدوار التاريخيّة بأجمعها، حول أيّ شخصيّة من شخصيّات العالم، حتّى إنّ خلاصة تعاليم الأنبياء السابقين، ونبذة من أحوالهم وسيرتهم الّتي وصلت إلينا هي أيضا مجرّدة عن مثل هذا الإعلان.
أمّا اليهوديّة- وهي ديانة قديمة مشهورة- فإنّها تنظر إلى الله كربّ بني إسرائيل، وإله بني إسرائيل في الغالب. إنّ صحف العهد القديم، والكتب المقدسة الدينيّة عند اليهود تخلو عن ذكر الله كربّ العالمين، وربّ الكون بتاتا، ولذلك فالبحث في سيرة نبيّ من أنبيائهم، مثل موسى وهارون، أو داود وسليمان، عن مثل هذا الإعلان، عبث وإضاعة وقت، فإنّ هذه الديانة لم تكن- في أيّ مرحلة من مراحلها- رسالة رحمة ومساواة للجيل الإنسانيّ