السليمة، وكبت للغرائز الطبيعيّة البريئة في الإنسان، وكانت نتيجة هذا الصراع أنّ العدد الأكبر من أصحاب الفطنة والذكاء، والكفاءات العلميّة، آثر الدّنيا على الدين، ورضي بها- كحاجة اجتماعيّة، وواقع حيّ- واطمأنّ إليها، وعكف على تحسين هذه الحياة، والحصول على ملذّاتها، ولم يبق له أمل في الرقيّ الدينيّ، والتقدّم الروحيّ.
وأكثر الذين هجروا الدين بصورة عامّة، هجروه على أساس التناقض الذي حسبوه حقيقة بديهية مسلّمة، وثار البلاط الذي كان يتزعّم الحكم الدنيويّ على الكنيسة التي كانت تمثّل الدين، وتجرّد عن سائر قيوده، فصارت الحكومات- بطبيعة المنطق- كفيل هائج مائج، تخلّص من سلاسله وقيوده، أو كجمل هائم، حبله على غاربه، هذا الانفصال النكد بين الدين والدنيا، وذلك العداء المشؤوم بين «رجال الدين ورجال الدنيا» فتح الباب على مصراعيه للإلحاد واللادينية، وكانت فريسته الغرب أولا، والأمم التي دانت له في الفكر والعلم والثقافة، أو عاشت تحت رايته ثانيا.
وزاد الطّين بلّة دعاة المسيحيّة المتطرّفون والمفرطون، الذين كانوا يعتبرون الفطرة البشريّة أكبر عائق في التزكية الروحية والاتصال بالسماء، والذين لم يدّخروا وسعا في إذلالها وتعذيبها بأنواع من الأحكام القاسية والتعاليم الجائرة «١» وقدّموا صورة وحشيّة كالحة مفزعة للدين، تقشعرّ منها جلود الذين آمنوا، وآل الأمر في نهاية الشوط إلى تقلّص ظلّ الدين، وبلغت عبادة النفس والهوى- في أوسع معناها- إلى ذروتها، وأصبحت الدّنيا تتأرجح بين طرفي نقيض، ثمّ سقطت أخيرا بضعف الوازع الدينيّ، أو فقدان