للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المرجّح أنّ «زردتشت» صاحب هذه الديانة ظهر في القرن السابع قبل الميلاد، وكانت مؤسسة منذ أول يومها على الحرب القائمة بين النور والظلام، وبين روح الخير وروح الشرّ، أو بين إله الخير وبين إله الشرّ.

وجاء «ماني» في أوائل القرن الثالث المسيحي مجدّدا لهذه الديانة، مضيفا إليها «١» ، وتبعه «شاه بور» - الذي خلف أردشير (٢٤١ م) مؤسّس الدولة الساسانية، واحتضن دعوته، ثمّ أصبح معارضا له، فقد كان «ماني» يدعو إلى حياة العزوبة لحسم مادة الفساد والشرّ من العالم، ويعلن أن امتزاج النور بالظلمة شرّ يجب الخلاص منه، فحرّم النكاح استعجالا للفناء، وانتصارا للنور على الظلمة، بقطع النسل.

وقضى أعواما في النفي، ثمّ عاد إلى إيران، وقتل في عهد بهرام الأول، ولكنّ تعاليمه لم تمت بموته، بل بقيت تؤثّر في التفكير الإيرانيّ، والمجتمع الإيرانيّ مدة طويلة.

وظهر مزدك في أوائل القرن الخامس المسيحيّ، فدعا إلى إباحة الأموال والنساء، وجعل الناس شركاء فيها، وقويت دعوته، وكان الناس يدخلون على الرّجل في داره، فيغلبونه على منزله وأمواله، لا يستطيع الامتناع منهم، وقد جاء في وثيقة إيرانية تاريخية تعرف ب «نامه تنسر» تصوير لذلك العصر الذي انتشرت فيه الدعوة المزدكية، وكانت لها السيطرة والنفوذ:

«وانتهكت الأعراض، وعمّ خلع العذار، لقد نشأ جيل لا كرامة فيه ولا عمل، ولم يكن له رصيد ولا ماض مجيد، وليس له اهتمام بمصير الشعب، ولا إشفاق عليه، ولا يتصف بكمال ومهارة، كانت تسيطر عليهم اللامبالاة


(١) اقرأ لمعرفة تعليمات ماني ودعوته وفلسفته، الباب الرابع من كتاب «إيران في عهد الساسانيين» (النبيّ ماني وديانته) ص ٢٣٣- ٢٦٩.

<<  <   >  >>