للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حاربوه، وإذا انكشف الغطاء عن عيونهم، أحبّوه واحتضنوه، واستماتوا في سبيله.

يعبّر عن هذه النفسية العربية خير تعبير، ما قاله سهيل بن عمرو، حين سمع ما جاء في كتاب الصّلح في الحديبيّة «هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لو كنّا نعلم أنّك رسول الله، ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك» «١» ، وما قاله عكرمة بن أبي جهل حين حمي الوطيس في معركة اليرموك، واشتدّ عليه الضغط: «قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلّ موطن وأفرّ منكم اليوم؟!» ثمّ نادى: من يبايع على الموت، فبايعه من بايعه، ثمّ لم يزل يقاتل حتى أثبت جراحا وقتل شهيدا» «٢» .

وكانوا واقعيّين جادّين، أصحاب صراحة وصرامة، لا يخدعون غيرهم ولا أنفسهم، اعتادوا القول السديد، والعزم الأكيد، يدلّ على ذلك دلالة واضحة ما روي عن قصة بيعة العقبة الثانية، التي تلتها الهجرة إلى المدينة، قال ابن إسحاق:

«لمّا اجتمعت الأوس والخزرج في العقبة ليبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العبّاس بن عبادة الخزرجيّ: «يا معشر الخزرج! هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟

قالوا: نعم.

قال: إنّكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فإن كنتم


(١) [أخرجه البخاري في كتاب المغازي، باب غزوة الحديبية، برقم (٤١٧٨) و (٤١٧٩) ، وأبو داود في كتاب الجهاد، باب في صلح العدو برقم (٢٧٦٥) ، والبيهقي في السنن (٥/ ٢١٥) والدلائل (٤/ ٩٩- ١٠٠) ] .
(٢) راجع «تاريخ الطبري» ج ٤، ص ٣٦.

<<  <   >  >>