للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من ذلك أنّ الجزيرة العربية كلّها كانت متهيّئة متحمّسة إذ ذاك لتحوّل مفاجىء عظيم.

ولكنّ التاريخ عندما يكذّب هذه النتيجة، إذا تأمّلنا في تاريخ العرب قبل ظهور الإسلام بقلب هادىء، فلم تنجح جهود المسيحيّين المتواصلة، ودعوتهم وموعظتهم المستمرة خلال خمسة قرون إلا في كسب عدد قليل جدّا من بعض القبائل، فتمرّ موجة صغيرة على سطح بحر الحياة العربية الهادىء، نتيجة لتلك الجهود الحقيرة الضعيفة، التي قام بها دعاة المسيحية، تتخلّلها حينا بعد حين موجات أكثر قوة وعمقا، يتجلّى فيها تأثير الدعوة اليهودية، ولكنّ موجات الوثنية العربية والأوهام الإسماعيليّة كانت أعنف وأطغى، كان هذا التيّار الجاهليّ الوثنيّ يضرب جدران الكعبة» .

وقال في مكان آخر من هذا الكتاب:

«وكانت أوضاع العرب قبل البعثة المحمّدية بعيدة عن كلّ تغيير دينيّ، كما كانت بعيدة كلّ البعد عن وحدة الصفوف واجتماع الشّمل، وكان دينهم يقوم على أساس وثنيّة سخيفة تعمّقت جذورها، واصطدمت بصخرتها محاولات نصارى مصر والشام للإصلاح، فباءت بالفشل» «١» :

وبهذه الحقيقة التاريخيّة التي تشبه لغزا علميّا يشيد العالم الغربيّ الشهير) Bosworth Smith (بوسروت إسمث في إيجاز ولكن في قوّة ووضوح:

«إنّ مؤرّخا يمتاز من بين زملائه بالاتجاه الفلسفيّ يقرر بأنّه لم تكن من بين الثورات التي تركت ارتسامات خالدة على تاريخ البشرية العمرانيّ؛ ثورة


(١) «حياة محمد» لسير وليم ميور.
Sir William Muir:Life Of Mohammad Vol.I,.) London, ٥٨٨١ (p.CCXXXV- VI.

<<  <   >  >>