لقد طفت في تلك المعاهد كلها ... وسرحت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائراً ... على ذقن أو قارعاً سن نادم
فأخبر أنه لم يجد إلا شاكاً مريباً أو من اعتقد ثم ندم لما تبين منه خطؤه الأول وكذلك الأموى الغالب عليه الحيرة وأما الرازي فهو في الكتاب الواحد بل في الموضع الواحد منه ينصر قولاً وفي موضع آخر منه أو من كتاب آخر ينصر نقيضه ولهذا استقر أمره على الحيرة وذكر أبياته:[طويل]
نهاية إقدام العقول عقال ... وأكثر سعى العالمين ضلال
وأرواحنا وحشة في جسومنا ... وغاية دنيانا أذى ووبال
ولم نستفد من بحثنا طول دهرنا ... سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وقوله:(فما رأيتها تشفى عليلاً ولا تروى غليلاً) وهو صادق فيما أخبر به أنه لم يستفد من بحوثه في الطرق الكلامية والفلسفية سوى أنه جمع قيل وقالوا وأنه لم يجد فيها ما تشفى عليلاً ولا يروى غليلاً فإنه من تدبر كتبه كلها لم يجد فيها مسألة واحدة من مسائل أصول الدين موافقة لمذهب السلف الذي عليه المعقول والمنقول بل يذكر في المسألة عدة أقوال وقول السلف الذي هو الحق لا يعرفه ولا يذكره وكذا غيره من أهل الكلام مختلفون في آرائهم وكثير منهم من يجعل ما يوافق رأيه هو المحكم الذي يجب اتباعه وما يخالف رأيه هو المتشابه الذي يجب تأويله وتقويضه وإذا ذكرت النصوص التي يحتج بها عليه يتأولها تأويلاً لو فعله غيره لأقام القيامة عليه ويتأول الآيات بما يعلم بالاضطرار أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يرده وبما لا يدل عليه اللفظ أصلاً وكثير ممن سمع ذم الكلام مجملاً وذم الطائفة الفلانية مجملاً ولا يعرف التفاصيل من الفقهاء وأهل الحديث ومن كان متوسطاً في الكلام لم يصل إلى الغايات التي منها تفرقوا تجده يذم القول وتأويله بعبارة ويقبله بعبارة ويقرأ