مسألة أفعال العباد من أعظم المسائل الدينية. والمذاهب الشهيرة ثلاثة: فمذهب المعتزلة - أن الإنسان خالق لأفعاله، سواء كانت خيراً أم شراً، وسموا لذلك بالقدرية، وهم لقبوا أنفسهم بالعدلية لذلك، ثم أقترفوا فرقتين، فالأولى تنكر سبق علم الله تعالى بالأشياء قبل وجودها، وقد أنقرضت هذه.
الثانية - كما قال الحافظ ابن حجر في فتح البارى - إنهم مطبقون على أنه سبحانه عالم بأفعال العباد قبل وقوعها، وإنما خالفوا السلف في زعمهم بأنها مقدورة لهم وواقعة منهم على جهة الاستقلال. والمتأخرون منهم أنكروا تعلق الإرادة بأفعال العباد فراراً من تعلق القديم بالحادث. وذهبت الجبرية أنه لا فعل للعبد أصلاً، وأن حركاته بمنزلة حركات الجمادات لا قدرة له عليها، ولا قصد ولا اختيار. فالمعتزلة على ما قال غير واحد من أهل السنة: ضاهت المجوس. والجبرية شابهت المشركين الذين قالوا:{لو شاء الله ما أشركنا نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ}[الأنعام ١٤٨] . وذهب السلف الصالح، وكثير من الأشاعرة وغيرهم إلى أن أفعالنا مخلوقة لله سبحانه وتعالى، لكنها كسب لنا كما قال الفهامة الشيخ محمد السفاريني الشامي الحنبلي في منظومته:[رجز]
أفعالنا مخلوقة لله ... لكنها كسب لنا يا لا هي
وكل ما يفعله العباد ... من طاعة وضدها مراد
لربنا من غير ما أضطرار ... منه لنا فافهم ولا تمارى
والكسب عند المتكلمين: ما وقع من الفاعل مقارناً لقدرة محدثة اختيار.
وقيل: هو ما خلقه الله تعالى في محل قدرة المكتسب على وفق إرادته