(قوله: ((وإن التوراة والإنجيل لم تبدل ألفاظها، وإنما بدلت معانيها)) ) أقول: إن هذا القول إن صح نقله لم ينفرد به ايضاً ابن تيميه، بل هو قول ابن عباس رضي الله عنهما. فقد قال الوالد عليه الرحمة تفسيره على قوله تعالى:{يسمعون كلام الله ثم يحرفونه} ما نصه: أى يسمعون التوراة، ويؤولونها تأويلاً فاسداً حسب أغراضهم. وإلى ذلك ذهب ابن عباس والجمهور على أن تحريفها تبديل كلام من تلقائهم، كما فعلوا ذلك في نعته - صلى الله عليه وسلم -، فإنه روى: أن من صفاته فيها أنه أبيض ربعه، فغيروه باسمر طويل، وغيروا آية الرجم بالتسخيم وتسويد الوجه، كما في البخارى. وقيل المراد: بكلام الله تعالى ما سمعوه على الطور. أهـ. باقتصار.
قلت: ولعل معنى التحريف لغة فيه تقوية لمذهب ابن عباس، فقد قال الراغب في مفرداته: تحريف الشئ إمالته، كتحريف القلم، وتحريف الكلام أن تجعله على حرف من الاحتمال يمكن حمله على الوجهين، قال عز وجل:{يحرفون الكلم عن مواضعه} . ومن بعد مواضعه {وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه}[البقرة ٧٥] أهـ.
وهذا بناء على صحة العزو إليه. وأما ما رأيته فيما حرره لأبي نصر المنبجى من كتاب طويل ما نصه: وقد جاءت في الإنجيل الذى بأيدى النصارى كلمات مجملة، إن صح أن المسيح قالها فهذا معناها في قوله ((أنا وأبي واحد، من رآني فقد رأى أبي)) ، ونحو ذلك. وبها ضلت النصارى حيث أتبعوا المتشابه كما ذكر الله تعالى عنهم في القرآن، ففيه إشارة إلى أنه ليس قائلاً بتبديل المعاني فقط. فالعزو حينئذ غير صحيح كما لا يخفى. فليتدبر.