وإن أردت استيفاء بحث البناء على الأموات، فارجع إلى الكتب الفقهية المعتبرات، واكتف الآن بما سطرناه، واعتصم بما نقلناه، وأسأل البارى سبحانه هداه. ثم إني أقول بعد هذا كله: إن الذى عقدت حباً عقيدتى في فصله سنية شد الرحل إلى مرقد سيد الشفعاء، والرسول المقدم يوم الفزع الأكبر على الأصفياء. وهو من خصوصياته عليه أكمل الصلاة والسلام، كما ذهب إلى نحوه في الاستغاثة سلطان العلماء العز بن عبد السلام، لا سيما وقد تعددت الأحاديث في ذلك، وإن أول أو طعن البعض منها بضعف المسالك.
وأما ما دعا ذاك القبر المطهر من الأنبياء التى لا يصحح تعيينها تواتر يفيد اليقين، وكذا مشاهد الأولياء الذين لم يرد في السفر إليهم أثر قوى عن السلف الصالحين، فعدم شد الرحل إليهم سداً للذرائع اصوب، وترك ما يريبك إلى ما لا يريبك أحب في المذاهب.
كيف لا، وقد اتسع الخرق الآن على الراقعين، وقدم لسفر إلى مقابر الأولياء على سائر الفرائض كثير من الجاهلين، بل يقدمه أهل البدع على الحج، ويعد إيفاء نذره لأصحابنا بها افضل من العج والثج، ويحسب الطواف حول ذلك الميت شبه الطواف بين أركان البيت: فألهاهم عن الواجبات التفاخر بذلك والتكاثر.
وظنوا ان أصلح الأمة من واظب على السفر إلى المقابر. وكأني بمن يقول: إنك قد خالفت القولين، ولم تسلك في احد الطريقين المتقدمين. فأقول له: إنى قد سلكت نحو ما ذكرت، لأنه الطريق الوسط، السالم عند المنصف الممعن من الشطط، ولا سيما إذا نوى المسجد النبوى معه فهو الأحوط. فإن أصبت ببياني هذا فلى الأجر إن شاء الله، وإن أخطأت فأسأله سبحانه أن يغفر لى ما أخطأت، ولا حول ولا قوة إلا بالله.