الحسن البصري، ثم صلبه الحجاج بأمر عبد الملك. وحدث أيضاً في زمن الصحابة مذهب الخوارج، فقاتلهم علي كرم الله تعالى وجهه. وكذا حدث في أيامه الغلو فيه، حتى حرق بالنار جماعة من المغالين. ثم حدث بعد عصر الصحابة مذهب جهم بن صفوان، ونفي الصفات وعظمت الفتنة. وفي أثناء ذلك حدث مذهب الاعتزال بعد المائتين، كما تقدم تفصيله، فنهى أئمة الاسلام عنه، وذموا علم الكلام وانتشر ذلك المذهب، ثم حدث مذهب التجسيم المضاد للاعتزال فظهر محمد بن كرام السجستاني بعد المائتين، وهو زعيم الكرامية، حج ومات بزغرة من أرض الشام، ودفن بالمقدس، وكان له أتباع كثيرون مواظبون على التعبد وكذا في بلاد المشرق.
قال المقريزي في خططه: كان لطائفتي الشافعية والحنفية، وكانت بين الكرامية والمعتزلة بالمشرق مناظرات وفتن كثيرة.
(قلت) : وكذلك بينهم وبين الأشاعرة، فقد قال في ((العبر)) وفي سنة خمسمائة وخمس وتسعين كانت فتنة فخر الدين الرازي، وذلك أنه قدم خراة ونال إكراماً عظيماً من الدولة، فاشتد ذلك على الكرامية، فاجتمع هو والزاهد مجد الدين بن القدوة فاستطال فخر الدين عليه وشتمه، فلما كان من الغد جلس ابن عم مجد الدين فوعظ الناس وقال:{ربنا آمنا بما أنزلت وأتبعنا الرسول فأكتبنا مع الشاهدين}[آل عمران ٥٣] أيها الناس، لا نقول إلا ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأما قول أرسطو وكفريات ابن سينا، وفلسفة الفارابي فلا نعلمها، فلأي شئ يشتم بالأمس شيخ من شيوخ الإسلام، يذب عن دين الله تعالى؟ وبكى فأبكى الناس وضجت الكرامية وثاروا من كل ناحية، فأرسل السلطان الجند فسكنهم وأمر الرازي بالخروج.