للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما هي مكشوفة له فيما لا يزال. ثم تلك الكلمات الغيبية المترتبة وضعياً أزلياً يقدر بينها التعاقب فيما لا يزال، والقرآن كلام الله تعالى المنزل بهذا المعنى، فهو كلمات غيبية مجردة من المواد، مترتبة في علمه أزلاً غير متعاقبة تحقيقاً بل تقديره عند تلاوة الألسنة الكونية الزمانية.

ومعنى تنزيلها: إظهار صورها في المواد الروحانية والحسية من الألفاظ المسموعة والذهنية والمكتوبة. ومن هنا قال السنيون: القرآن كلام الله غير مخلوق، وهو مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور، مقروء بالألسن، مسموع بالآذان، غير حال في شئ منها، وهو في جميع هذه المراتب قرآن حقيقة شرعية معلوم من الدين بالضرورة. فقولهم: ((غير حال)) إشارة إلى مرتبة النفسية الأزلية، فإنه من الشئون الزاتية ولم تفارق الذات ولا تفارقها أبداً، ولكن الله أظهر صورها من الخيال والحس فصارت كلمات مخيلة، وملفوظة مسموعة، ومكتوبة مرئية، فظهر في تلك المظاهر من غير حلول إذ هو فرع الانفصال وليس فليس (١) فالقرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، وإن تنزل في هذه المراتب الحادثه ولم يخرج عن كونه منسوباً إليه.

أما في مرتبة الخيال فلقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أغنى الناس حملة القرآن من جعله الله في جوفه)) واما في مرتبة اللفظ فلقوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن} [الأحقاف ٢١] واما في مرتبة الكتابة فلقوله تعالى: {بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ} [البروج ٢٢] وقول الإمام أحمد: لم يزل الله متكلماً كيف يشاء، وإذا شاء بلا كيف، إشارة إلى مرتبتين:

الأولى - إلى كلامه في مرتبة التجلى والتنزيل إلى مظهر له، كقوله - صلى الله


(١) قوله، ((وليس فليس)) أي ليس انفصال فليس حلول.

<<  <   >  >>