بكونه متكلماً لا بكلام ولا بغير كلام. والذى أوقع الناس في حيص وبيص أنهم رأوا قياسين متعارضي النتيجة، وهما كلام الله تعالى صفة له، وكل ما هو صفة له فهو قديم، فكلام الله قديم، وكلام الله تعالى مركب من حروف مرتبة متعاقبة في الوجود، وكل ما هو كذلك فهو حادث، فكلام الله تعالى حادث فقوم ذهبوا: إلى أن كلامه تعالى حروف وأصوات وهي قديمة، ومنعوا ان كل ما هو مؤلف من حروف واصوات فهو حادث، ونسب إليهم اشياء برآء منها وآخرون قالوا بحدوثه، وأنه مؤلف من اصوات وحروف، وهو قائم بغيره، ومعنى كونه متكلماً عندهم أنه موجد لتلك الحروف والأصوات في جسم، كاللوح أو ملك كجبريل، أو غير ذلك. فهم منعوا أن المؤلف من الحروف والأصوات صفة الله تعالى. وأناس لما رأوا مخالفته الأولين للضرورة الظاهرة التى هي اشنع من مخالفة الدليل، أو مخالفة الآخرين فيما ذهبوا إليه للعرف واللغة ذهبوا إلى ان كلامه صفة له مؤلفة من الحروف والأصوات الحادثة القائمة بذاته تعالى. فهم منعوا أن كل ما هو صفة له تعالى فهو قديم.
وجمع قالوا: كلامه تعالى معنى واحد بسيط قائم بذاته تعالى قديم، فهم منعوا أن كلامه تعالى مؤلف من الحروف والأصوات، وكثر في حقهم القال والقيل، والنزاع الطويل. وبعضهم تحير فوقف، وحبس ذهنه في مسجد الدهشة واتعكف. وعندي القياسان صحيحان والنتيجتان صادقتان، ((ولكل مقام مقال)) ، ((ولكل كلام أحوال)) ولا أظنك تحوجني إلى التفصيل بعد ما وعاه فكرك الجميل، بل ولا تكلفني رد هذه الأقوال اشنيعة التى هي لديك إذا أخذت العناية بيديك كسراب بقيمة، فليطر شحرور القلم إلى روضة أخرى، وليغرد بفائدة لعلها أولى من افطالة وأحرى. والله تعالى الموفق - انتهى.