للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل فيوحي بغذنه ما يشاء} [الشورى ٥١] ، فقد فرق بين الإيحاء والتكلم من وراء حجاب كما كلم الله موسى، فمن سوى بين هذا وهذا كان ضالاً.

وقد قال الإمام أحمد وغيره من الأئمة: لم يزل الله عز وجل متكلماً إذا شاء، وهو يتكلم بمشيئته وقدرته، يتكلم بشئ بعد شئ، كما قال تعالى {فلما أتاها نودي يا موسى} [طه ١١] فناداه حين أتاها لم يناده قبل ذلك.

وقال تعالى: {فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما، وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشحرة، وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين} [طه ١٢١] فهو سبحانه ناداهما حين أكلا منها لم ينادهما قبل ذلك.

وكذلك قوله تعالى: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} [الأعراف ١١] بعد أن خلق آدم - عليه السلام - وصوره لم يأمره قبل ذلك.

وكذا قوله تعالى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون} [آل عمران ٥٩] . فأخبر أنه قال له ((كن فيكون)) بعد أن خلقه من تراب. ومثل هذا في القرآن كثير، يخبر أنه تكلم في وقت معين، ونادى في وقت معين، وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه لما خرج من باب الصفا قرأ قوله تعالى: {إن الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة ١٥٨] . قال: ((نبدأ بما بدأ الله تعالى به)) فأخبر أن الله تعالى بدأ بالصفا قبل المروة.

والسلف اتفقوا على أن كلام الله تعالى منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، فظن بعض الناس أن مرادهم أنه قديم العين. ثم قالت طائفة: وهو معني واحد، وهو الأمر بكل مأمور، والنهي عن كل منهي. والخبر بكل

<<  <   >  >>