البارى سبحانه معلوم بقلوبنا / مذكور بألسنتنا، مكتوب في كتابنا، معبود في مساجدنا، مسموع بأسماعنا، غير حال في شئ منها وأما قراءنتا وكتابتنا وحفظنا فهو من أكسابه مخلوقة لا شك فيها.
قال الله تعالى:{وافعلوا الخير لعلكم تفلحون}[الحج ٧٧] وسمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلاوة القرآن فعلاً في قوله عليه الصلاة والسلام ((لا حسد إلا في أثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل والنهار، فيقول: لو أوتيت مثل ما أوتى هذا لفعلت كما يفعل. ورجل أتاه الله مالاً فهو ينفقه في حقه فيقول: لو أوتيت مثل ما أوتى هذا عملت مثل ما يعمل)) قال يحيى بن سعيد: مازلت أسمع أصحابنا يقولون: أفعال العباد مخلوقة.
قال البخاري: حركاتهم وأصواتهم، وأكسابهم وكتابتهم مخلوقة فأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف، المسطور المكتوب المحفوظ في القلوب، فهو كلام الله عز وجل ليس بخلق
وعن ابن عباس في قوله:{ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر}[القمر ١٧] لولا أن يسره على لسان الآدميين ما أستطاع أحد أن يتكلم بكلام الله عز وجل.
وقال ابن المبارك: لا أقول القرآن خالق، ولا مخلوق، ولكنه كلام الله تعالى ليس منه ببائن.
قال الشيخ البيهقى: قلت هذا هو مذهب السلف والخلف من أصحاب الحديث، أن القرأن كلام الله تعالى وهو صفة من صفات ذاته ليست ببائنة منه.
وإذا كان هذا الأصل مذهبهم في القرآن، فكيف يتوهم عليهم خلاف ما ذكرنا في تلاوتنا وكتابتنا وحفظنا، إلا أنهم في ذلك على طريقين: منهم من فصل بين التلاوة والمتلو كما فصلنا. ومنهم من أحب ترك الكلام فيه مع إنكار قول من زعم أن لفظى بالقرآن غير مخلوق.