الذين نظروا في علم الهيئة فرأوا أن الأفلاك تسعة، وأن التاسع هو الأطلس محيط بها، وهو الذى يحركها الحركة المشرقية، وغن كان لكل فلك حركة تخصه،ثم سمعوا في أخبار الأنبياء ذكر عرش الله سبحانه وكرسيه والسماوات السبع فقالوا بطريق الظن. إن العرش هو الفلك التاسع، لاعتقادهم أنه ليس وراء ذلك شئ - إما أنه ليس وراءه مخلوق.
ثم إن منهم من رأى أنه هو الذى يحرك الأفلاك كلها فجعلوه مبدأ الحوادث، وربما سماه بعضهم الروح أو النفس، وجعله بعضهم في اللوح المحفوظ، وبعض الناس أدعى أنه علم ذلك بطريق الكشف.
وذلك غير صحيح، بل أخذه عن هؤلاء المتفلسفة كما فعل أصحاب رسائل إخوان الصفا، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.
والأخبار تدل على أن العرش مباين لغيره من المخلوقات وأنه قبل السموات والأرض فقد ثبت في صحيح البخاري أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:((كان الله ولم يكن شئ غيره على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السموات والأرض وأن له قوائم)) كما في حديث أبي سعيد: ((فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش)) وقد استدل من قال إنه مقبب بما رواه أبو داود من قوله عليه الصلاة والسلام: ((وأن الله تعالى على عرشه، وأن عرشه على سمواته وسمواته فوق أرضه هكذا - وقال بأصبعه - مثل القبة)) وهذا لا يدل على أنه فلك من الأفلاك ولا مستدير مثل ذلك.
لكن القبة يستلزم استدارة من العلو لا من جميع الجوانب إلا بدليل منفصل ولفظ الفلك يستدل به على الاستدارة مطلقاً كما قال ابن عباس في ((وكل في فلك)) في فلكة مثل فلكة المغزل وأما لفظ القبة فإنه لا يتعرض لهذا المعنى لا بنفي ولا إثبات لكن يدل على الاستدارة من العلو.