للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن اريد أنه يتوسل إليه بما يحب ذاته، وإن لم يكن هناك ما يحب الله تعالى أن يتوسل به، فهذا باطل عقلاً وشرعاً.

أما عقلاً فلأنه ليس في كون الشخص المعين محبوباً له ما يوجب كون حاجتى تقضى بالتوسل بذاته: إذا لم يكن منى ولا منه سبب تقضى به حاجتى، فإن كان منه دعاء لى، أو كان منه إيمان به وطاعة له، فلا ريب أن هذه وسيلة.

واما نفس ذاته المحبوبة لله تعالى، فأى وسيلة لي فيها إذا لم يحصل لي السبب الذى أمرت به فيها، ولهذا لو توسل به من كفر به لم ينفعه، والمؤمن به ينفعه الإيمان به، وهو أعظم الوسائل. فتبين أن الوسيلة بين العباد وبين ربهم عز وجل الإيمان بالرسل وطاعتهم. وقول القائل للرجل: أدع لى: توسل بدعاء الصالحين، وهو من جملة الأسباب النافعة كشفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

واما المشروع فيقال: إن العبادات مبناها على الاتباع لا الابتداع، وليس لأحد أن يشرع من الدين ما لم يأذن به الله. ألا ترى أنه ليس لأحد أن يصلى إلى قبره عليه لصلاة والسلام، ويقول هو احق بالصلاة إليه من الكعبة! وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام في الصحيح أنه قال: ((لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)) ومن لم يعتصم بالكتاب والسنة ضل وأضل.

وليس في قوة أحد أن يفهم أسرار العبادات ومنافعها، ومضار ما ينهى عنه من ذلك. فعليه أن يسلم للشريعة، ويعلم أنها جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها.

وإذا رأى من العبادات التي يظنها حسنة ونافعة ما ليس بمشروع، علم أن ذلك لضرر فيها راجح على نفعها، ومفسدة راجحة على مصلحتها. إذ الشارع حكيم، لا يهمل المصالح. فإن قال: أنا إذا توسلت بذاته إنما توسلت بعملي

<<  <   >  >>