أنه قد أختلف في عدتها، هل هي بثلاثة قروء أو بقرء واحد؟ فالجمهور، بل الذى لا يعرف الناس غيره أنها ثلاثة قروء، وعلى هذا فيكون وجهه أن المطلقة الثالثة كانت من جنس الأوليين فأعطيت حكمها ليكون باب الطلاق كله باباً واحداً، فلا يختلف حكمه، والشارع إذا علق الحكم بوصف لمصلحة عامة لم يكن تخلف تلك المصلحة والحكمة في بعض الصور مانعاً من ترتب الحكم، بل هذه قاعدة الشريعة وتصرفها في مصادرها ومواردها.
الوجه الثاني - أن الشارع حرمها عليه حتى تنكح زوجاً غيره عقوبة له، ولعن المحلل والمحلل له لمناقضتهما ما قصد الله سبحانه من عقوبة، وكان من تمام هذه العقوبة أن طول مدة تحريمها عليه، وكان ذلك أبلغ فيما قصده بتزوجها آخر نكاح رغبة مقصوداً، لا تحليل موجب اللعنة، ويفارقها وتعتد من فراقه ثلاثة قروء أخر - طال عليه الانتظار وعيل صبره فأمسك عن الطلاق الثلاث. وهذا واقع على وفق الحكمة والمصلحة والزجر، وكان التربص بثلاثة قروء في الرجعية نظراً للزوج، ومراعاة لمصلحته لما لم يوقع الثالثة المحرمة لها عليه. وههنا كان تربصها عقوبة له وزجراً لما أوقع الطلاق المحرم لما أحل الله له. وأكدت هذه العقوبة بتحريمها عليه إلا بعد زوج وإصابة وتربص ثان.
وقيل: بل عدتها حيضة واحدة، وهو اختيار أبي الحسين بن اللبان، فإن كان مسبوقاً بالإجماع فالصواب اتباع الإجماع، وألا يلتفت إلى قوله، وإن لم يكن في المسألة إجماع فقوله ظاهر: والله تعالى أعلم.
فإن قيل: قد جاءت السنة بأن المخبرة تعتد ثلاث حيض، كما رواه ابن ماجه من حديث عائشة - رضي الله عنه - قالت: أمرت بريرة أن تعتد ثلاث حيض. قيل: ما أصرحه من حديث لو ثبت، ولكنه حديث منكر بإسناد