للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حكمه ذلك إشارة بحسب عقولنا الضعيفة وعباراتنا القاصرة. وشرع الرب سبحانه وحكمته فوق عقولنا، فيقول: الربا نوعان: جلى وخفى، فالجلى حرم لما فيه من الضرر العظيم. والخفى حرم لأنه ذريعة إلى الجلى. فتحريم الأول قاصداً، وتحريم الثاني وسيلة.

فأما الجلى فربا النسيئة، وهو الذى كانوا يفعلونه في الجاهلية مثل أن يؤخر دينه ويزيده في المال، وكلما أخره زاد في المال حتى تصير المائة عنده ألافاً مؤلفة. وفي الغالب لا يفعل ذلك إلا معدوم محتاج. فإذا رأى أن المستحق يؤخر مطالبته ويصير عليه بزيادة يبذلها له تكليف بذلها ليفتدى من أسر المطالبة والحبس، ويدافع من وقت إلى وقت، فيشتد ضرره وتعظم مصيبته، ويعلوه الدين حتى يستغرق جميع موجوده، فيربو المال على المحتاج من غير نفع يحصل له، ويزيد مال المرابي من غير نفع يحصل منه لأخيه، فيأكل مال أخيه بالباطل، ويحصل أخوه على غاية الضرر.

فمن رحمة أرحم الراحمين، وحكمته وإحسانه إلى خلقه: أن حرم الربا ولعن آكله وموكله، وكاتبه وشاهديه، وآذن من لم يدعه بحربه وحرب رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولم يجئ مثل هذا الوعيد في كبيرة غيره ولهذه كان من أكبر الكبائر.

وسئل الإمام أحمد عن الربا الذى لا يشك فيه فقال: هو أن يكون له دين فيقول له: أتقضى أم تربي؟ فإن لم يقضه زاد في المال، وزاده هذا في الأجل.

وقد جعل الله عز وجل الربا ضد الصدقة، فالمرابي ضد المتصدق، قال تعالى: {يمحق الله الربا ويربى الصدقات} [البقرة ٢٧٦] ، وغير ذلك من الآيات. وفي الصحيحين: ((إنما الربا في النسيئة)) ومثل هذا يرد به حصر الكمال، وأن الربا الكامل إنما هو في النسيئة، كما قال تعالى: {إنما المؤمنون

<<  <   >  >>