للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رمية من غير رام١ أي هي رمية موفقة ممن لا يحسن الرمي المسند إليه وهو "الضمير" اتباعًا لما ورد في استعمالاتهم.

ومنه قولهم في النعت المقطوع إلى الرفع، لقصد إنشاء المدح أو الذم أو الترحم. "الحمد لله أهل الحمد", "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم", "اللهم ارحم عبدك المسكين", على تقدير: هو أهل الحمد، وهو الرجيم, وهو المسكين. ومن هذا القبيل قول ابن عنقاء، يمدح عميلة، وقد شاطره ماله لفقره٢:

رآني عي ما بي عميلة فاشتكى ... إلى ماله حالي أسر كما جهر

دعاني فآساني ولو ضن لم ألم ... علي حين لا بدو يرجى ولا حضر

غلام رماه الله بالخير يافعًا ... له سيمياء لا تشق على البصر٢

أي هو غلام, ومثله قول الشاعر٤:


١ مثل يضرب لمن صدر منه فعل ليس هو أهلًا لأن يصدر عنه، قاله الحكم بن يغوث حين نذر أن يذبح مهاة على "الغبغب", وهو جبل يمنى وكان من أرمى الناس فصار كلما رمى مهاة لا يصيبها, مكث على ذلك أيامًا حتى كاد يقتل نفسه, فخرج معه ابنه "مطعم" إلى الصيد فرمى الحكم مهاتين فأخطأهما, فلما عرضت الثالثة رماها "مطعم" فأصابها وكان لا يحسن الرمي فقال الحكم عندئذ: "رمية من غير رام" فصار مثلًا.
٢ قال التبريزي في خبر هذه الأبيات: إن قومًا من العرب أغاروا على نعم له فاستاقوها حتى لم يبق له منها شيء، فأتى ابن أخيه عميلة وقال له: يابن أخي نزل بي ما ترى فهل من حلوبة؟ قال: نعم يا عم حين إذ يراح المال فأبلغ مرادك منه، فلما راح المال قاسمه إياه وأعطاه شطره, فقال ابن عنقاء هذه الأبيات.
٣ اشتكى حاله إلى ماله, كناية عن أنه رق له وعطف, وهو من أروع الكنايات وألطفها، وقوله: أسر كما جهر يريد: أن باطنه كظاهره فلم يعطه رياء بل كان عطفه عليه وليد رغبة صادقة فيه، ويافعًا من أيفع الغلام إذا ناهز العشرين والسيمياء العلامة يريد، أن سيمياء في وجهه وأن ما ينطوي عليه من خير يدرك بمجرد النظر إليه.
٤ هو عمرو بن كميل نظر إليه عمرو بن ذكوان وعليه جبة بلا قميص فجعل يسعى له ويتشفع حتى ولي البصرة, فقال هذه الأبيات, وقيل: إن قائل هذه الأبيات أبو الأسود يمدح بها عمرو بن سعيد العاصي.

<<  <  ج: ص:  >  >>