للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنكار المخاطب مثلًا "حال" لأنه أمر يحمل المتكلم على أن يورد كلامه على صورة التأكيد محوًا لهذا الإنكار, وصورة التأكيد التي ورد عليها الكلام هي مقتضى الحال، واشتمال الكلام على هذه الصورة هو معنى مطابقته للمقتضى.

مثال ذلك أن تقول لمنكر إمارة شوقي للشعر: "إن شوقيا لأمير الشعر" فإنكار المخاطب هو الحال؛ لأنه أمر دعاك لأن تورد كلامك مصورًا بصورة التأكيد, وصورة التأكيد هي مقتضى الحال، واشتمال هذا الكلام على هذه الصورة هو المطابقة للمقتضى, فهذا القول حينئذ كلام بليغ؛ لأنه مطابق لمقتضى الحال.

ومثل الإنكار "المدح" فهو حال تدعو المتكلم لأن يورد كلامه على صورة الإطناب؛ لأن مقام المدح يقتضي الإطالة في القول، والبسط فيه.

وكذلك ذكاء المخاطب حال تدعو المتكلم لأن يورد كلامه على صورة الإيجاز؛ لأن مقام الذكاء يقتضي الاختصار في الكلام، وكل من صورتي الإطناب والإيجاز مقتضى الحال، واشتمال الكلام على صورة الإطناب أو الإيجاز مطابقة للمقتضى، وهكذا يقال في كل حال من أحوال الخطاب١.

ومما ذكرنا نعلم أن:

مقتضيات الأحوال تختلف باختلاف تلك الأحوال, فإن كانت الحال إنكارًا من المخاطب مثلًا كان المقتضى توكيدًا؛ لأنه هو المناسب لحال المنكر


١ هناك قول آخر هو أن مقتضى الحال الكلام الكلي المشتمل على التأكيد مثلًا أو الإطناب أو الإيجاز، وليس هو التأكيد نفسه أو الإطناب أو الإيجاز كما هو الرأي الأول, فالإنكار مثلًا إنما يقتضي مطلق كلام مؤكد بأي نوع من أنواع التأكيد لا كلامًا خاصًّا مؤكدًا بتأكيد خاص، وقولنا لمنكر: إن محمدًا لكاتب، فرد من أفراد هذا المطلق المؤكد. ومعنى مطابقة هذا الكلام حينئذ أنه مندرج تحت هذا المطلق, وفرد من أفراده والفرق بين الرأيين واضح.

<<  <  ج: ص:  >  >>