للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا كان القرآن الكريم في أعلى طبقات البلاغة؛ لصدوره عمن هو أعلم بكافة الأحوال: ظاهرها وخفيها، وأدرى بمقتضياتها واعتباراتها {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} .

الثاني: إنما شرطنا في بلاغة الكلام أن يسلم من العيوب المخلة بفصاحته وفصاحة أجزائه؛ لتعلم أن البلاغة أخص من الفصاحة، وأن كل كلام بليغ لا بد أن يكون فصيحًا ولا عكس.

فإذا قلت لمنكر: إن أنف هذا لمسرج، أو قلت: والله ليس بقرب قبر حرب قبر, لم يكن كلامك بليغًا مع أنه مطابق لمقتضى حال المخاطب، ذلك لفقدان شرط الفصاحة فيه, أما في المثال الأول فلكون بعض أجزائه وحشيًّا غريبًا, وأما في الثاني فلكونه متنافر الكلمات مجتمعة.

وإذا قلت لمن ينكر كرم علي ونبله: "علي كريم الخلق نبيل الطبع" من غير تأكيد, كان كلامك فصيحًا لسلامته من العيوب المخلة بالفصاحة، ولكنه ليس بليغًا لعدم مطابقته لمقتضى حال المنكر؛ إذ إن حاله يقتضي التأكيد محوًا لإنكاره.

فعلم من هذا أن الكلام لا يكون بليغًا إلا إذا كان فصيحا لأخذ شرط الفصاحة فيه، أما الفصاحة في الكلام فتتحقق بدون البلاغة لعدم أخذ شرط البلاغة فيها، كما يتبين لك ذلك من الأمثلة السابقة ا. هـ.

بلاغة المتكلم:

هي ملكة أو صفة قائمة بالمتكلم راسخة فيه, يتمكن بها متى شاء من تأليف كلام بليغ في أي معنى يريده.

فالمدار "كلما قلنا في فصاحة المتكلم" على أن تكون فيه هذه الصفة ثابتة راسخة, يستخدمها -متى أراد- في أي فن من فنون الكلام، فهو بليغ وإن لم ينطق متى وجدت فيه هذه القدرة على صوغ الكلام البليغ، فإذا فقد هذه القدرة لم يكن

<<  <  ج: ص:  >  >>