للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث؛ ولهذا ولي القضاء وسنه أقل من عشرين سنة، ولم يثنه ذلك عن متابعة الدرس والتحصيل, فأقبل على شتى الفنون يكمل نفسه بها، وعلى علوم البلاغة يحصلها ويؤلف فيها حتى اشتهر أمره بها, فدعي لتولي الخطابة بجامع دمشق وكانت إذ ذاك وظيفة السادة من العلماء الأعلام، ولعله سمي الخطيب من أجل ذلك، ثم طلب لتولي قضاء الشام، فولي أمره على خير ما يكون، ثم ما لبث أن دعي لتولي القضاء في مصر، وزيادة في تكرمته أعطي رئاسة الأوقاف فيها، فوسع بأموالها على الفقراء وذوي الحاجات، فعظم أمره في مصر، وتطلعت إليه الأنظار، وذكر اسمه على الألسنة مقرونا بالعلم والسماحة والمعروف.

غير أن انغماس أولاده في الترف واللهو، وقبولهم للرشوة، واتّجارهم باسم أبيهم وجاهه, كل ذلك أساء إلى سمعة الشيخ الخطيب، فأعفي من العمل في مصر وأعيد إلى قضاء الشام مرة أخرى، فلم يلبث بها كثيرا حتى أصابه فالج مات به, بعد أن ترك لعلماء البلاغة سفرين جليلين هما أثره الباقي في هذا الفن إلى اليوم.

أحدهما: كتاب التلخيص الذي ضمنه القواعد الموجودة في القسم الثالث من مفتاح العلوم للسكاكي, وجعله مشتملا على ما يحتاج إليه من الأمثلة والشواهد. وقد بلغ هذا الكتاب من الشهرة ما لم يبلغه غيره من كتب هذا الفن؛ إذ عني به أرباب الشروح والحواشي, فكتبوا عليه، وكشفوا غوامضه, وأبانوا معالمه، ومن ثم حرص أبناء الأزهر على مدارسته، وتفهم عباراته، وما كتب عليه إلى يومنا هذا.

ثانيهما: كتاب الإيضاح, وقد حدث الخطيب عن نفسه, أنه جعله على ترتيب مختصره "تلخيص المفتاح"، وبسط فيه القول ليكون كالشرح له؛ فأوضح غوامضه، وفصل مجمله، وأضاف إليه زيادات لم يشأ أن يجعلها في مختصره, كما أضاف إليه ما أدى إليه فكره، ولم يجده لغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>