للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبدا الصباح١ كأن غرته ... وجه الخليفة حين يمتدح

يريد الشاعر أن يشبه وجه الخليفة بغرة الصباح في الضياء والإشراق, جاعلا وجه الخليفة مشبها به، قاصدا إيهام أنه أتم وأكمل في الضوء من غرة الصبح مبالغة في وصف وجهه بالتهلل والطلاقة عند استماع المديح.

وإنما قيد الشاعر إشراق وجه الخليفة بوقت الامتداح؛ ليدل على أمرين هما:

١- اتصاف الممدوح بحسن قبوله للمدح، الدال على تقديره للمادح، وتعظيمه له، ولو كان غير قابل له لعبس في وجهه.

٢- اتصافه بالكرم, إذ الكريم هو الذي يتهلل وجهه، وتنبسط أساريره للمدح, ولو كان لئيما ضنينا لقطب جبينه، وأشاح بوجهه. ومثله قول البحتري يصف بركة المتوكل:

كأنها حين لجت في تدفقها ... يد الخليفة لما سال واديها

فقد أراد البحتري أن يوهم أن يد الخليفة أقوى تدفقا بالعطاء من البركة بالماء؛ مبالغة في وصفه بالكرم. وكقول الشاعر:

والبدر في أفق السماء كغادة ... بيضاء لاحت في ثياب حداد

حتى بدا وجه الصباح كأنه ... وجه الحبيب أتى بلا ميعاد

ففي كلا البيتين إيهام أن المشبه أقوى في وجه الشبه من المشبه به.


١ يحتمل أن يراد به الضياء التام الحاصل عند الإسفار, وأن يراد به الضياء المخلوط بظلمة آخر الليل، ففي الأول تكون الإضافة في قوله: "غرته" بيانية أي: كأن الغرة التي هي الصباح، وعلى الثاني تكون الإضافة على أصلها لإحاطة الظلمة في ذلك الوقت بإشراق هو كالغرة المحاطة بسواد الفرس، والغرة: بياض في جبهة الفرس فوق الدرهم استعير لبياض الصبح.

<<  <  ج: ص:  >  >>