للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما استعمل في غير ما وضع له لا لعلاقة، من غير تعمد لهذا الاستعمال كما إذا أشار متكلم إلى حجر، وأراد أن يقول: خذ هذا الحجر، فسبق لسانه، وقال: خذ هذا الفرس، فمثل هذا ليس مجازا؛ لأنه -وإن استعمل فيه اللفظ في غير ما وضع له- لا علاقة فيه بين المعنيين.

ومن هنا يعلم أنه لا بد للمجاز من علاقة١، وهي -كما قلنا- مناسبة خاصة بين المعنى الحقيقي، والمعنى المجازي كالمشابهة في مجاز الاستعارة في نحو قولك: رأيت سحبان يخطب, تريد رجلا فصيحا، وكالسببية والمسببية في المجاز المرسل في نحو قولك: رعت الماشية الغيث, تريد النبات، غير أنه لا يكفي في المجاز مجرد وجود العلاقة بين المعنيين، بل لا بد أيضا من اعتبارها٢ وملاحظتها.

وإنما اشترط في المجاز ملاحظة العلاقة بين المعنيين، ولم يكتف بالقرينة الدالة على المراد؛ لأن إطلاق اللفظ على المعنى المجازي بعد إطلاقه على المعنى الحقيقي تشريك بين المعنيين في اللفظ، وتفريع لأحد الإطلاقين على الآخر، وذلك يستدعي وجها لتخصيص المعنى الفرعي "وهو المجازي" بالتشريك والتفريع، دون سائر المعاني، وذلك الوجه هو العلاقة، وإلا فلا حكمة في تخصيص بعض المعاني دون غيره، فيكون تحكما.


١ سميت علاقة؛ لأنه بسببها يتعلق المعنى الثاني بالأول، ويرتبط به، فينتقل الذهن حينئذ من المعنى الأول إلى الثاني.
٢ المعتبر في العلاقة نوعها لا شخصها؛ ولهذا جاز إنشاء المجاز في كلام المولدين, فإذا استعمل العرب علاقة خاصة بين معنيين جاز لنا أن نستعمل للربط بينهما لفظا آخر غير ما استعملوه, ولا نقتصر على خصوص اللفظ الذي اعتبروه، ولو كان المعتبر شخص العلاقة لتوقف استعمال اللفظ في معناه المجازي على النقل عن العرب, وليس كذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>