للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الذين ترونهم إخونكم ... يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا١

يقول: إن الذين تظنونهم أصدقاءكم، يتمنون الخير لكم, هم على غير ما تظنون، يودون دماركم، وإيقاع الشر بكم، فأنتم إذًا مخطئون في هذا الظن, والشاهد فيه قوله: "إن الذين ترونهم إخوانكم" حيث أتى بالمسند إليه موصولا لقصد تنبيه المخاطبين٢ على خطئهم في ظنهم أن أمثال هؤلاء أصدقاء لهم إذ قد تحقق منهم ما لا يتفق مع هذه الصداقة من تربص الدوائر بهم, بخلاف ما لو صرح بأسمائهم مثلا فقيل: فلان وفلان وفلان يشفي غليل إلخ, فليس في ذلك ما يفيد تنبيههم إلى هذا الخطأ, ومثال ما فيه تنبيه على خطأ غير المخاطب قولك: إن الذي يحسبه محمد صديقه الحميم يغتم لسروره، ويبتهج لحزنه، ويود له ما لا يجب. ففيه من التنبيه على خطأ "محمد" في هذا الحسبان ما ليس في التصريح بالاسم, ومنه قول عروة بن أذينة٣:

إن التي زعمت فؤادك ملها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها

ففي التعبير بالموصول تنبيه على خطئها في زعمها.

٦- تشويق المخاطب إلى الخبر ليتمكن في ذهنه, وذلك حيث يكون مضمون الصلة حكما غريبا كما في قول أبي العلاء المعري:

والذي حارت البرية فيه ... حيوان مستحدث من جماد٤


١ "ترونهم" بضم التاء على صورة المبني للمجهول, ولكن على معنى البناء للفاعل وعلى هذا تكون الواو فاعلا وهم مفعولا أولا وإخوانكم مفعولا ثانيا, وأما فتح التاء على أن تكون "ترى" بمعنى تبصر فلا يصح؛ لأنه غير مراد نعم يصح على جعل الرؤية قلبية بمعنى الاعتقاد لكن الرواية تخالفه، والغليل هنا بمعنى الحقد، وتصرعوا من الصرع وهو الإلقاء على الأرض, وهو إما كناية عن الهلاك أو عن الإصابة بالحوادث.
٢ منشأ التنبيه كما علمت هو الصلة.
٣ هو أحد بني ليث بن بكر وهو شاعر غزل مقدم من شعراء المدينة ومعدود من الفقهاء والمحدثين روى عنه مالك بن أنس.
٤ المراد بحيرة الناس فيه اختلافهم في أمر بعثه فقد أطلقت الحيرة وأريد لازمها وهو الاختلاف, إذ يلزم من الحيرة في الشيء الاختلاف فيه=

<<  <  ج: ص:  >  >>