للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول: إن الذي تحيرت الخلائق فيه أي: اختلف الناس في أمر بعثه، وهل يعاد ثانيا بعد موته أو لا يعاد؟ هو ذلك الحيوان الآدمي المتولد من النطفة، أو طينة آدم -على الخلاف في المراد بالجماد- والشاهد قوله: "والذي حارت البرية فيه" إذ عبر المسند إليه باسم الموصول لتضمن الصلة أمرًا غريبا هو إيقاع البرية كلها في حيرة وارتباك، ومثل هذا الأمر العجيب يشوق النفس إلى أن تعرف ذلك الذي أوقع البرية كلها في هذه الحيرة, ومثله قولك: الذي يقاوم الأسود في مرابضها فلا، والذي يصيد الأفاعي من أعشاشها فلان، وأشباه ذلك مما تضمن أمرا لا يقره الألف والعادة.

٧- الإشارة إلى نوع الخبر المحكوم به على المسند إليه المعبر عنه بالموصول كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا} فإن مدلول الصلة -وهو الإيمان والعمل الصالح- ما يشير إلى أن الخبر المحكوم به من نوع الإثابة والإمتاع, وكقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} أي: صاغرين ففي مضمون الصلة وهو الاستكبار عن العبادة تلميح وإشارة إلى أن الخبر المترتب عليه من جنس الإذلال والعقوبة, من ذلك قولهم: من صبر وتأنى نال ما تمنى، وقولهم: من استمرأ مرعى الكسل جانبه الأمل, ففي الأول إشارة إلى أن الخبر من نوع الفوز والفلاح، وفي الثاني إشارة إلى أنه من نوع الإخفاق والحرمان, وهكذا يؤتى بالمسند إليه اسم موصول للإشارة به إلى أن الخبر المحكوم به عليه من أي نوع هو؟ أمن


= فلا يقال حينئذ أن كل فريق جازم بما يراه في أمر بعثه فأين الحيرة إذًا؟ ولفظ "حيوان" على حذف مضاف أي: معاده؛ لأن الاختلاف إنما وقع في أمر بعثه لا في ذاته، والمراد بالحيوان المستحدث بنو آدم بدليل سياق الحديث؛ لأن البيت من قصيدة يرثي بها فقيها حنفيا إذ يقول فيها:
وفقيها أفكاره شدن للنعـ ... ـمان ما لم يشده شعر زياد
فيبعد إذًا أن يكون المراد بالحيوان غير الآدميين كناقة صالح، أو ثعبان موسى عليه السلام كما قيل، ويتعين أن الذي وقعت من أجله الحيرة هو معاده وبعثه من جديد.

<<  <  ج: ص:  >  >>