للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نوع الثواب، أو العقاب، أو الفوز، أو الإخفاق، أو نحو ذلك، فيفطن المخاطب من فاتحة الكلام إلى ما تدل عليه خاتمته.

غير أن الإيماء إلى نوع الخبر قد يكون غير ما يهدف إليه المتكلم، وإنما يكون هدفه شيئا آخر يتوسل إليه بهذا الإيماء أي: يجعله وسيلة إليه، وهذا الغرض هو التعريض بتعظيم شأن الخبر، أو التعريض بإهانته١.

فمثال ما فيه تعريض بتعظيم شأن الخبر قول الفرزدق يفتخر على جرير بن عطية.

إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا٢ دعائمه أعز وأطول

يقول: إن الذي رفع السماء "ذلك البناء العظيم" بنى لنا مجدا وشرفا لا يطاولهما شيء، وجعل قبيلتنا سيدة القبائل، ورمز فخارها، أما أنت يا جرير فلا مجد فيك ولا شرف, والشاهد فيه قوله: "إن الذي سمك السماء" فإن في الموصول تلميحا إلى أن الخبر المحكوم به عليه أمر من جنس البناء والرفعة عند من له ذوق سليم٣ لكن ليس هذا هو المقصود بالذات إنما الغرض الذي يهدف إليه الشاعر متوسلا بهذا الإيماء هو التعريض بتفخيم بيته من حيث إن بانيه هو ذلك الذي رفع السماء،


١ قد يقال: ليس في بيت الفرزدق الآتي تعريض بتعظيم شأن الخبر وإنما فيه تعريض بتعظيم شأن البيت وهو واقع مفعولا لا خبرا, ويجاب بأن تعظيم البيت إنما جاء من كونه بناء من سمك السماء, وإذًا فلا محيد من اعتبار البناء في التعظيم، أو يجاب بأن المراد بالخبر ما وقع في سياق الجملة الخبرية, ولو مفعولا كما في بيت الفرزدق ونحوه في الأمثلة ولا شك أن لفظ "بيتا" في كلام الفرزدق واقع في جملة الخبر وفي سياقه.
٢ المراد بيت المجد والشرف وللفرزدق الحق في هذا الفخر؛ لأن قبيلته من قريش فآباؤه أماجد وأشراف بخلاف جرير فإن آباءه من أرذال بني تميم.
٣ أي: إن الذوق شاهد على هذا التلميح فإنه إذا قيل "الذي اخترع هذا البناء البديع" فهم منه عرفا أن ما يترتب عليه أمر من جنس الأبنية المتقنة فإذا قيل "ابتدع لي هذا البناء" كان كالتأكيد لما أشير إليه في أول الكلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>