للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بذل الوعد للأخلاء سمحا ... وأبي بعد ذاك بذل العطاء

فغدا كالخلاف يورق للعين ... ويأبى الإثمار كل الإباء١

يحدثنا الشاعر عن إنسان يبذل لك الوعد في سخاء، بينما تراه يتخلف عن ركب الأوفياء، ثم مالبث أن أراكه عيانا في شجرة الصفصاف، يبهرك رواؤها -بينما تراها عقيما لا تلد، ولا تثمر -وقال أبو تمام٢:

وإذا أراد الله نشر فضيلة ... طويت أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ما كان يعرف طيب عرف العود٣

يذكر لنا الشاعر: أن الفضيلة مثار حقد وحسد من فاقديها، فإذا قدر لفضيلة أن تنشر مطارفها على الناس، بعد أن طويت أجراها على لسان حسود حاقد، فهو كفيل أن يذيع أمرها، وينشر عبيرها، بما يبديه من غيظ وحنق، ثم وضع هذا المعنى في إطار بديع، فأرانا بالعين ذلك المعنى في كمين عرف الطيب، يثيره حر اللهيب -ثم انظر إلى قوله:

وطول مقام المرء في الحي مخلق ... لديباجتيه فاغترب يتجدد

فإني رأيت الشمس زيدت محبة ... إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد٤


١ "السمح" الكريم. و"الخلاف" ككتاب شجر الصفصاف.
٢ هو حبيب بن أوس الطائي أسبق الشعراء الثلاثة الذين سارت بذكرهم الركبان"، وخلد شعرهم الزمان: ثانيهم البحتري، وثالثهم المتنبي"، ومن أبياته السائرة قوله:
ولو صورت نفسك لم تردها ... على ما فيك من كرم الطباع
٣ نشر الفضيلة إذاعتها بين الناس، أتاح لها هيا لها، وعرف العود رائحته.
٤ مخلق من أخلق الشيء أبلاه، "والديباجتان" صفحتا الخدين، والمراد: عامة الوجه ولذا أعاد الضمير عليهما مفردا في "يتجدد" و"السرمد" الدائم.

<<  <  ج: ص:  >  >>