للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعفصة (١). فالبندقة: تدفع لدغ العقارب، والعفصة: تمنع طلوع الدمامل.

وجاء أن من نظر إلى السّها (٢) وهو النجم الخفي المقارن لإحدى بنات نعش لم تلسعه في تلك الليلة حية ولا عقرب. وقيل: من عليه الغاريقون لم تلسعه عقرب.

وأما السحر: فقيل: إنه تخيل لا حقيقة له/ولا يقلب عينا ولا يحيل طبيعة ذكره علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (٣) في كتاب «الدرة».


(٥) - قد يكون في التركيب الطبيعي لبعض النباتات ما يجعلها تصدر رائحة طاردة لبعض الحشرات مثل الشيح، فقد ثبت بالإستقراء أن وجوده بالمنزل طارد للثعابين، وعلى الرغم من ذلك فإن بعض الثعابين بمجرد ما يقترب منها الإنسان تلقي بنفسها عليه لتلدغه. أما البندقة فلا ريح لها مطلقا، وعلى هذا فحملها مع الاعتقاد الجازم بأن حملها يحمي من لدغ العقرب سحر من إملاء شياطين الجن، ومهما باتت الشياطين تحرس المعتقد فلن تمنعه من قدر الله تعالى. والمؤمن القوي هو الذي بمجرد ما يملي عليه وجود ارتباط بين البندقة وبين الحماية من العقرب سارع إلى نفيه فقال لا تأثير في الأكوان لغير قدرة الله، والعقل يحيل اجتماع مؤثرين - قدرة الله وقدرة الساحر - على أثر واحد فيزداد إيمانه قوة. وأما ضعيف الإيمان فإن لدغ وأخبر بهذا الارتباط سرعان ما يأسف على عدم حمله بندقة فيقول ياليتني حملت بندقة فحمتني من اللدغ فيزداد إيمانه ضعفا، وذلك لإعتقاده في إمكان النفع والضرر بغير الله تعالى بجزمه بصدق الإرتباط بين حمل البندق والأثر المرصود لحملها وهو الحماية من اللدغ.
(١) عفصة: بفتح العين وسكون الفاء، شجرة من البلوط، ومنها يتخذ دواء قابض مجفف. انظر: الزبيدي: تاج العروس، مادة «عفص» وحماية العفصة حاملها من الدمامل فهذه سحر يكذبه الشرع والعلم. فأما الشرع فلقول النبي صلى الله عليه وسلم «إن الدمامل والزكام من الرحمن». والعلم أثبت أن الميكروبات إذا زادت في الجسم زيادة كثيرة بسبب تلوث الأطعمة وعجز عن التخلص منها جهاز المناعة تنتشر في الجسم متلمسة أضعف طبق من الجلد فتطفح عليه في صورة دمامل، والمؤمن القوي هو الذي يجتهد في الإحتياط لتنزيه الإعتقاد من إمكان جلب النفع أو دفع الضر بغير الله تعالى، لأن أحكام عقيدة الإسلام هي نتائج يقينية لأقيسة شرعية يقينية المقدمات. والمؤمن القوي تظهر قوة إيمانه بوضوح حين ينفي ما يثمره قدرة السحر من أوهام ويجزم بأنه لا تأثير لغير قدرة الله وحده.
(٢) السها: كويكب صغير خفي الضوء في بنات نعش الكبرى. انظر: ابن منظور: اللسان مادة «سهو». والنظر إلى النجوم أو إلى السها لا للتأمل في عظمة خلق الله تعالى لها ولكن للربط بين تحركاتها وأفعال العباد فهذا سحر، وقد نبهنا نبينا المعصوم صلى الله عليه وسلم لذلك كله.
(٣) علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، كان عالما بالمذاهب والملل والعربية (ت ٤٥٦ هـ‍). انظر: ابن العماد: شذرات الذهب ٣/ ٢٩٩ - ٣٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>