كتاب البيان والتبيين من أضخم مؤلفات الجاحظ، وهو يلي كتاب الحيوان من حيث الحجم ويربو على سائر كتبه. وإذا كان كتاب الحيوان يعالج موضوعا علميا فإن كتاب البيان والتبيين ينصب على معالجة موضوع أدبي. ولكن الجاحظ في هذين الكتابين، شأنه في جميع كتبه، ينحو منحى فلسفيا. فهو لا يقتصر في كتاب الحيوان على أخبار الحيوانات وخصالها وطباعها، بل يتطرق إلى موضوعات فلسفية كالكمون والتولد، والجواهر والأعراض، والجزء الذي لا يتجزأ، والمجوسية والدهرية الخ. وفي كتاب البيان والتبيين لا يكتفي بعرض منتخبات أدبية من خطب ورسائل وأحاديث وأشعار، بل يحاول وضع أسس علم البيان وفلسفة اللغة.
إن إبراز هذه الناحية الفلسفية في آثار الجاحظ هو الذي حداني على تأليف كتاب «المناحي الفلسفية عند الجاحظ» ، وإعادة النظر في رسائله العديدة وإخراجها في طبعة جديدة تضمها جميعا، وتمتاز بتبويب دقيق ومقدمات وشروحات وافية. وهو الذي يحفزني الآن على إعادة طبع كتاب البيان والتبيين. لقد طبع هذا الأثر الثمين مرارا، وخير تلك الطبعات تم على يدي