ثم من الخطباء: عمرو بن سعيد، وهو الأشدق، يقال إن ذلك إنما قيل لتشادقه في الكلام. وقال آخرون: بل كان أفقم مائل الذقن، ولذلك قال عبيد الله بن زياد حين أهوى إلى عبد الله بن معاوية: يدك عني يا لطيم الشيطان، ويا عاصي الرحمن. وقال الشاعر:
وعمرو لطيم الجنّ وابن محمد ... بأسوأ هذا الأمر يلتبسان
ذكر ذلك عن عوانة. وهذا خلاف قول الشاعر:
تشادق حتى مال بالقول شدقه ... وكل خطيب لا أبا لك أشدق
وقال: وقد كان معاوية قد دعا به في غلمة من قريش، فلما استنطقه قال:«إن أول كل مركب صعب، وإن مع اليوم غدا» . وقال له: إلى من أوصى بك أبوك؟ قال: إن أبي أوصى إليّ ولم يوص بي قال: وبأي شيء أوصاك؟ قال: بألا يفقد إخوانه منه إلا شخصه. قال: فقال معاوية عند ذلك: إن ابن سعيد هذا لأشدق. فهذا يدل عندهم على أنه إنما سمي بالأشدق لمكان التشادق.
ثم كان بعد عمرو بن سعيد، سعيد بن عمرو بن سعيد، وكان ناسبا خطيبا، وأعظم الناس كبرا. وقيل له عند الموت: إن المريض ليستريح إلى الأنين، وإلى أن يصف ما به إلى الطبيب. فقال:
أجاليد من ريب المنون فلا ترى ... على هالك عينا لنا الدهر تدمع
ودخل على عبد الملك مع خطباء قريش وأشرافهم، فتكلموا من قيام.
وتكلم وهو جالس، فتبسم عبد الملك وقال: لقد رجوت عثرته، ولقد أحسن حتى خفت عثرته.
فسعيد بن عمرو بن سعيد، خطيب ابن خطيب ابن خطيب.
[[سهيل بن عمرو]]
ومن الخطباء: سهيل بن عمرو الأعلم أحد بني حسل بن معيص وكان