كان التدبير في أسماء الخطباء وحالاتهم وأوصافهم أن نذكر أسماء أهل الجاهلية على مراتبهم، وأسماء أهل الإسلام على منازلهم، ونجعل لكلّ قبيلة منهم خطباء، ونقسم أمورهم بابا بابا على حدته، ونقدّم من قدمه الله ورسوله عليه السلام في النسب، وفضله في الحسب. ولكني لما عجزت عن نظمه وتنضيده، تكلفت ذكرهم في الجملة. والله المستعان، وبه التوفيق، ولا حول ولا قوة إلا به.
[[الفضل الرقاشي]]
كان الفضل بن عيسى الرقاشي من أخطب الناس، وكان متكلما قاصا مجيدا، وكان يجلس إليه عمرو بن عبيد، وهشام بن حسان، وأبان بن أبي عياش، وكثير من الفقهاء. وهو رئيس الفضيلة، وإليه ينسبون. وخطب إليه ابنته سوادة بنت الفضل، سليمان بن طرخان التيمي، فزوّجه فولدت له المعتمر ابن سليمان. وكان سليمان مباينا للفضل في المقالة، فلما ماتت سوادة شهد الجنازة المعتمر وأبوه، فقدّما الفضل.
وكان الفضل لا يركب إلا الحمير، فقال له عيسى بن حاضر: إنك لتؤثر الحمير على جميع المركوب، فلم ذلك؟ قال: لما فيها من المرافق والمنافع.
قلت: مثل أي شيء؟ قال: لا تستبدل بالمكان على قدر اختلاف الزمان، ثم هي أقلها داء وأيسرها دواء، وأسلم صريعا، وأكثر تصريفا، وأسهل مرتقى وأخفض مهوى، وأقل جماحا، وأشهر فارها، وأقل نظيرا، يزهى راكبه وقد تواضع بركوبه، ويكون مقتصدا وقد أسرف في ثمنه.
قال: ونظر يوما إلى حمار فاره تحت سلم بن قتيبة، فقال:«قعدة نبيّ وبذلة جبار» .
وقال عيسى بن حاضر: ذهب إلى حمار عزيز، وإلى حمار المسيح، وإلى حمار بلعم. وكان يقول: لو أراد أبو سيارة عميلة بن أعزل، أن يدفع بالموسم على فرس عربي، أو جمل مهريّ لفعل، ولكنه ركب عيرا أربعين