ودخل الشام وهو غلام، فتقدّم خصما له، وكان الخصم شيخا كبيرا، إلى بعض قضاة عبد الملك بن مروان، فقال له القاضي: أتقدم شيخا كبيرا؟
قال: الحق أكبر منه. قال: اسكت. قال: فمن ينطق بحجتي. قال: لا أظنك تقول حقا حتى تقوم. قال: لا إله إلا الله، (أحقا أم باطلا؟) . فقام القاضي فدخل على عبد الملك من ساعته، فخبره بالخبر، فقال عبد الملك:
اقض حاجته الساعة وأخرجه من الشام، لا يفسد عليّ الناس.
فإذا كان إياس وهو غلام يخاف على جماعة أهل الشام، فما ظنك به وقد كبرت سنه، وعضّ على ناجذه.
وجملة القول في إياس أنه كان من مفاخر مضر، ومن مقدمي القضاة، وكان فقيه البدن، دقيق المسلك في الفطن، وكان صادق الحدس نقابا «١» ، وكان عجيب الفراسة ملهما، وكان عفيف الطعم، كريم المداخل والشيم، وجيها عند الخلفاء، مقدما عند الأكفاء. وفي مزينة خير كثير.
ثم رجعنا إلى القول الأول.
ومنهم ربيعة الرأي «٢» ، وكان لا يكاد يسكت. قالوا: وتكلّم يوما فأكثر وأعجب بالذي كان منه، فالتفت إلى أعرابي كان عنده فقال: يا أعرابيّ: ما تعدون العيّ فيكم؟ قال: ما كنت فيه منذ اليوم.
وكان يقول: الساكت بين النائم والأخرس.
[[عبد الله بن حفص]]
ومنهم عبيد الله بن محمد بن حفص التيمي «٣» . ومحمد بن حفص هو