ساخط، وخطبة من لدن تطلع الشمس إلى أن تغرب، آمر فيها بالتواصل وأنهى فيها عن التقاطع؟ قالوا: فخطب يوما إلى الليل فما أعاد فيها كلمة ولا معنى فقيل لأبي يعقوب: هلا اكتفى بالأمر بالتواصل عن النهي عن التقاطع؟ أو ليس الأمر بالصه هو النهي عن القطيعة؟ قال: أو ما علمت أن الكناية والتعريض لا يعملان في العقول عمل الإفصاح والكشف.
قال: وسئل ابن المقفع عن قول عمر رحمه الله: «ما يتصعدني كلام كما تتصعدني خطبة النكاح» قال: ما أعرفه إلا أن يكون أراد قرب الوجوه من الوجوه، ونظر الحداق من قرب في أجواف الحداق. ولأنه إذا كان جالسا معهم كانوا كأنهم نظراء وأكفاء، فإذا علا المنبر صاروا سوقة ورعية.
وقد ذهب ذاهبون إلى أن تأويل قول عمر يرجع إلى أن الخطيب لا يجد بدا من تزكية الخاطب، فلعله كره أن يمدحه بما ليس فيه، فيكون قد قال زورا وغرّ القوم من صاحبه. ولعمري إن هذا التأويل ليجوز إذا كان الخطيب موقوفا على الخطابة. فأما عمر بن الخطاب، رحمه الله، وأشباهه من الأئمة الراشدين، فلم يكونوا ليتكلفوا ذلك إلا فيمن يستحق المدح.
وروى أبو مخنف، عن الحارث الأعور «١» ، قال:«والله لقد رأيت عليا وإنه ليخطب قاعدا كقائم، ومحاربا كمسالم» . يريد بقوله: قاعدا، خطبة النكاح.
وقال الهيثم بن عديّ: لم تكن الخطباء تخطب قعودا إلا في خطبة النكاح.
[[توشيح الخطب بآي القرآن والأشعار]]
وكانوا يستحسنون أن يكون في الخطب يوم الحفل، وفي الكلام يوم الجمع آي من القرآن، فإن ذلك مما يورث الكلام البهاء والوقار والرقة، وسلس الموقع.