منكم من الذنوب أكثر مما عندي. فاستغفر الله لي ولكم. وما تبلّغنا حاجة يتسع لها ما عندنا إلا سددناها، وما أحد منكم إلا وددت أن يده مع يدي، ولحمتي الذين يلونني «١» ، حتى يستوي عيشنا وعيشكم. وايم الله إني لو أردت غير هذا من عيش أو غضارة، لكان اللسان مني ناطقا ذلولا، عالما بأسبابه. لكنه مضى من الله كتاب ناطق، وسنّة عادلة دلّ فيها على طاعته، ونهى فيها عن معصيته.
ثم بكى رحمه الله فتلقى دموع عينيه بطرف ردائه، ثم نزل، فلم ير على تلك الأعواد حتى قبضه الله إلى رحمته.
خطبة أخرى ذهب عني إسنادها «٢»
أما بعد: فإنك ناشىء فتنة وقائد ضلالة، وقد طال جثومها، واشتدت غمومها، وتلونت مصايد عدو الله فيها، وقد نصب الشرك لأهل الغفلة عما في عواقبها. فلن يهدّ عمودها، ولن ينزع أوتادها إلا الذي بيده ملك الأشياء، وهو الله الرحمن الرحيم. إلا وإن لله بقايا من عباده لم يتحيّروا في ظلمتها، ولم يشايعوا أهلها على شبهتها، مصابيح النور في أفواههم تزهر، وألسنتهم بحجج الكتاب تنطق. ركبوا نهج السبيل، وقاموا على العلم الأعظم، فهم خصماء الشيطان الرجيم، وبهم يصلح الله البلاد، ويدفع عن العباد. فطوبى لهم وللمستصبحين بنورهم. أسأل الله أن يجعلنا منهم.
[خطبة أبي حمزة الخارجي]
دخل أبو حمزة الخارجي مكة- وهو أحد نساك الإباضية وخطبائهم، واسمه يحيى بن المختار- فصعد منبرها متوكئا على قوس له عربية، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: