ولقد تتبّع أبو عبيدة النحوي، وأبو الحسن المدائني وهشام بن الكلبي، والهيثم ابن عدي، أخبارا قد اختلفت، وأحاديث قد تقطّعت، فلم يدركوا إلا قليلا من كثير، وممزوجا من خالص.
وعلى كل حال فإنا إذ صرنا إلى بقية ما رواه العباس بن محمد، وعبد الملك بن صالح، والعباس بن موسى، واسحاق بن عيسى، واسحاق بن سليمان «١» ، وأيوب بن جعفر «٢» ، وما رواه إبراهيم بن السندي عن السندي «٣» ، وعن صالح صاحب المصلّي، عن مشيخة بني هاشم ومواليهم- عرفت بتلك البقية كثرة ما فات، وبذلك الصحيح أين موضع الفساد مما صنعه الهيثم بن عدي، وتكلفه هشام بن الكلبي.
[أخبار المنصور والمهدي والمأمون]
وسنذكر جملا مما انتهى إلينا من كلام المنصور ومن شأن المأمون وغيرهما وإن كنا قد ذكرنا من ذلك طرفا، ونقصد من ذلك إلى التخفيف والتقليل، فإنه يأتي من وراء الحاجة، ويعرف بجملته مراد البقية.
قال: وكان المنصور داهيا أريبا، مصيبا في رأيه سديدا، وكان مقدّما في علم الكلام، ومكثرا من كتاب الآثار. ولكلامه كتاب يدور في أيدي الوراقين معروف عندهم. ولما هم بقتل أبي مسلم سقط بين الإستبداد برأيه والمشاروة فيه، فأرق في ذلك ليلته، فلما أصبح دعا باسحاق بن مسلم العقيلي، فقال له: حدثني حديث الملك الذي أخبرتني عنه بحرّان. قال: أخبرني أبي عن الحصين بن المنذر أن ملكا من ملوك فارس- يقال له سابور الأكبر- كان له وزير ناصح قد اقتبس أدبا من آداب الملوك، وشاب ذلك بفهم في الدين، فوجهه