سابور داعية إلى أهل خراسان، وكانوا قوما عجما يعظّمون الدنيا جهالة بالدّين، ويخلّون بالدين استكانة لقوت الدنيا، وذلا لجبابرتها، فجمعهم على دعوة من الهوى يكيد به مطالب الدنيا، واغتر بقتل ملوكهم لهم وتخوّلهم إياهم- وكان يقال:«لكل ضعيف صولة، ولكل ذليل دولة» - فلما تلاحمت أعضاء الأمور التي لقح، استحالت حربا عوانا شالت أسافلها بأعاليها، فانتقل العزّ إلى أرذلهم، والنباهة إلى أخملهم، فأشربوا له حبا مع خفض من الدنيا افتتح بدعوة من الدين، فلما استوسقت له البلاد بلغ سابور أمرهم وما أحال عليه من طاعتهم، ولم يأمن زوال القلوب وغدرات الوزراء، فاحتال في قطع رجائه عن قلوبهم، وكان يقال:
وما قطع الرجاء بمثل يأس ... تبادهه القلوب على اغترار
فصمّم على قتله عند وروده عليه برؤساء أهل خراسان وفرسانهم، فقتله، فبغتهم بحدث، فلم يرعهم إلا ورأسه بين أيديهم، فوقف بهم بين الغربة ونأي الرجعة، وتخطّف الأعداء، وتفرّق الجماعة، واليأس من صاحبهم، فرأوا أن يستتموا الدعوة بطاعة سابور، ويتعوضوه من الفرقة، فأذعنوا له بالملك والطاعة، وتبادروه بمواضع النصيحة، فملكهم حتى مات حتف أنفه.
فأطرق المنصور مليا ثم رفع رأسه وهو يقول:
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علّم الإنسان إلا ليعلما
وأمر اسحاق بالخروج ودعا بأبي مسلم، فلما نظر إليه داخلا قال: