وقال بعض أهل الهند: جماع البلاغة البصر بالحجة، والمعرفة بمواضع الفرصة.
ثم قال: ومن البصر بالحجة، والمعرفة بمواضع الفرصة، أن تدع الافصاح بها إلى الكناية عنها، إذا كان الإفصاح أوعر طريقة، وربما كان الإضراب عنها صفحا أبلغ في الدرك، وأحق بالظفر.
قال: وقال مرة: جماع البلاغة التماس حسن الموقع، والمعرفة بساعات القول، وقلة الخرق بما التبس من المعاني أو غمض، وبما شرد عليك من اللفظ أو تعذر.
ثم قال: وزين ذلك كله، وبهاؤه وحلاوته وسناؤه، أن تكون الشمائل موزونة، والألفاظ معدلة، واللهجة نقية. فإن جامع ذلك السن والسمت والجمال وطول الصمت، فقد تم كل التمام، وكمل كل الكمال.
[[مفهوم البلاغة عند سهل بن هارون]]
وخالف عليه سهل بن هارون في ذلك، وكان سهل في نفسه عتيق الوجه، حسن الشارة، بعيدا من الفدامة، معتدل القامة، مقبول الصورة، يقضى له بالحكمة قبل الخبرة، وبرقة الذهن قبل المخاطبة، وبدقة المذهب قبل الامتحان وبالنبل قبل التكشف. فلم يمنعه ذلك أن يقول ما هو الحق عنده وإن أدخل ذلك على حالة النقص.
قال سهل بن هارون: لو أن رجلين خطبا أو تحدثا، أو احتجا أو وصفا وكان أحدهما جميلا جليلا بهيا، ولباسا نبيلا، وذا حسب شريفا، وكان الآخر قليلا قميئا، وباذّ الهيئة دميما «١» ، وخامل الذكر مجهولا، ثم كان كلامهما في مقدار واحد من البلاغة، وفي وزن واحد من الصواب، لتصدع عنهما الجمع وعامتهم تقضي للقليل الدميم على النبيل الجسيم، وللباذ الهيئة على ذي