«أي بنيّ، إني مؤد إليك حق الله في تأديبك، فأد إلي حق الله في حسن الاستماع. أي بني، كفّ الأذى، وارفض البذا، واستعن على الكلام بطول الفكر في المواطن التي تدعوك نفسك فيها إلى القول، فإن للقول ساعات يضرّ فيها الخطأ، ولا ينفع فيها الصواب. واحذر مشورة الجاهل وإن كان ناصحا، كما تحذر مشورة العاقل إذا كان غاشا، يوشك أن يورّطاك بمشورتهما، فيسبق إليك مكر العاقل، وغرارة الجاهل» .
قال الحسن بن خليل: كان المأمون قد استثقل سهل بن هارون، فدخل عليه سهل يوما والناس عنده على منازلهم، فتكلم المأمون بكلام فذهب فيه كلّ مذهب، فلما فرغ المأمون من كلامه أقبل سهل بن هارون على ذلك الجمع فقال:
«ما لكم تسمعون ولا تعون، وتشاهدون ولا تفقهون، وتنظرون ولا تبصرون. والله إنه ليفعل ويقول في اليوم القصير مثل ما فعل بنو مروان وقالوا في الدهر الطويل. عربكم كعجمهم، وعجمكم كعبيدهم، ولكن كيف يعرف الدواء من لا يشعر بالداء» .
قال: فرجع له المأمون بعد ذلك إلى الرأي الأول.
[[أولاد سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس]]
ومن خطباء بني هاشم ثم من ولد جعفر بن سليمان: سليمان بن جعفر والي مكة. قال المكي: سمعت مشايخنا من أهل مكة يقولون: إنه لم يرد عليهم أمير منذ عقلوا الكلام إلا وسليمان أبين منه قاعدا، وأخطب منه قائما.
وكان داود بن جعفر إذا خطب إسحنفر فلم يردّه شيء «١» ، وكان في لسانه شبيه بالرتة «٢» .