وكان أيوب فوق داود في الكلام والبيان، ولم تكن له مقامات داود في الخطب.
وقال إسحاق بن عيسى لداود بن جعفر: بلغني أن معاوية قال للنخار بن أوس: ابغني محدّثا؟ قال: ومعي يا أمير المؤمنين تريد محدّثا؟ قال: نعم، استريح منك إليه، ومنه إليك، وأنا لا أستريح إلى غير حديثك، ولا يكون صمتك في حال من الحالات أوفق لي من كلامك.
وكان إسماعيل بن جعفر، من أرق الناس لسانا وأحسنهم بيانا.
ومن خطباء بني هاشم: جعفر بن حسن بن الحسن بن علي، وكان أحد من ينازع زيدا في الوصية، فكان الناس يجتمعون ليسمعوا مجاوباتهما فقط.
وجماعة من ولد العباس في عصر واحد، لم يكن لهم نظراء في أصالة الرأي وفي الكمال والجلالة، وفي العلم بقريش والدولة، وبرجال الدعوة، مع البيان العجيب، والغور البعيد، والنفوس الشريفة، والأقدار الرفيعة، وكانوا فوق الخطباء وفوق أصحاب الأخبار، وكانوا يجلون عن هذه الأسماء إلا أن يصف الواصف بعضهم ببعض ذلك.
منهم عبد الملك بن صالح. قال: وسأله الرشيد وسليمان بن أبي جعفر وعيسى بن جعفر شاهدان، فقال له: كيف رأيت أرض كذا وكذا؟ قال:
عسافي ريح ومنابت شيح، قال: فأرض كذا وكذا، قال:«هضاب حمر، وبراث عفر» . قال: حتى أتى على جميع ما أراد. قال: فقال عيسى لسليمان: والله ما ينبغي لنا أن نرضى لأنفسنا بالدون من الكلام الهضبة: الجبل ينبسط على الأرض، وجمعها هضب. والبراث: الأماكن اللينة السهلة، واحدها برث. وقوله عفر، أي حمرتها كحمرة التراب. والظبي الأعفر: الأحمر، لأن حمرته كذلك: والعفر التراب، ومنه قيل: ضربه حتى عفّره، أي ألحقه بالتراب.
ومن هؤلاء: عبد الله بن صالح، والعباس بن محمد، وإسحاق بن