ونحن- أبقاك الله- إذا دعينا للعرب أصناف البلاغة من القصيد والإرجاز، ومن المنثور والإسجاع، ومن المزدوج وما لا يزدوج، فمعنا العلم أن ذلك لهم شاهد صادق من الديباجة الكريمة، والرونق العجيب، والسبك والنحت، الذي لا يستطيع أشعر الناس اليوم، ولا أرفعهم في البيان أن يقول مثل ذلك إلا في اليسير، والنبذ القليل.
ونحن لا نستطيع أن نعلم أن الرسائل التي بأيدي الناس للفرس، أنها صحيحة غير مصنوعة، وقديمة غير مولّدة، إذ كان مثل ابن المقفع وسهل بن هارون، وابي عبيد الله، وعبد الحميد وغيلان، يستطيعون أن يولدوا مثل تلك الرسائل، ويصنعوا مثل تلك السير.
وأخرى: أنك متى أخذت بيد الشعوبي فأدخلته بلاد الأعراب الخلّص، ومعدن الفصاحة التامة، ووقفته على شعر مفلق، أو خطيب مصقع، علم أن الذي قلت هو الحق، وأبصر الشاهد عيانا. فهذا فرق ما بيننا وبينهم.
فتفهّم عني، فهمك الله، ما أنا قائل في هذا، ثم اعلم أنك لم ترقوما قط أشقى من هؤلاء الشعوبية ولا أعدى على دينه، ولا أشد استهلاكا لعرضه، ولا أطول نصبا، ولا أقل غنما من أهل هذه النحلة. وقد شفى الصدور منهم طول جثوم الحسد على أكبادهم، وتوقد نار الشنآن في قلوبهم، وغليان تلك المراجل الفائرة، وتسعّر تلك النيران المضطرمة. ولو عرفوا أخلاق أهل كل ملة، وزيّ اهل كل لغة وعللهم، على اختلاف شاراتهم «١» وآلاتهم، وشمائلهم وهيئاتهم، وما علة كل شيء من ذلك، ولم اجتلبوه ولم تكلفوه، لأراحوا أنفسهم، ولخفت مؤونتهم على من خالطهم.
[[عصا سليمان وعصا موسى]]
والدليل على أن أخذ العصا مأخوذ من أصل كريم، ومعدن شريف، ومن المواضع التي لا يعيبها إلا جاهل، ولا يعترض عليها إلا معاند، اتخاذ