القلوب من رقدتها، ونقلوها عن سوء عادتها، وشفوها من داء القسوة، وغباوة الغفلة، وداووا من العيّ الفاضح، ونهجوا لنا الطريق الواضح. ولولا الذي أملت في تقديم ذلك وتعجيله، من العمل بالصواب، وجزيل الثواب، لقد كنت بدأت بالرد عليهم، وبكشف قناع دعواهم. على أنّا سنقول في ذلك بعد الفراغ مما هو أولى بنا وأوجب علينا. والله الموفق، وهو المستعان.
[باب فى الخطب]
[[أنواع الخطب]]
وعلى أن خطباء السلف الطيب، وأهل البيان من التابعين بإحسان، ما زالوا يسمون الخطبة التي لم تبتدأ بالتحميد، وتستفتح بالتمجيد:«البتراء» .
ويسمون التي لم توشح بالقرآن، وتزين بالصلاة على النبي صلّى الله عليه وسلّم:«الشوهاء» .
وقال عمران بن حطّان: خطبت عند زياد خطبة ظننت أني لم أقصّر فيها عن غاية، ولم أدع لطاعن علة، فمررت ببعض المجالس فسمعت شيخا يقول: هذا الفتى أخطب العرب لو كان في خطبته شيء من القرآن.
وخطب أعرابي فلما أعجله بعض الأمر عن التصدير بالتحميد، والاستفتاح بالتمجيد، قال:«أما بعد، بغير ملالة لذكر الله ولا إيثار غيره عليه، فإنّا نقول كذا، ونسأل كذا» ، فرارا من أن تكون خطبته بتراء أو شوهاء.
وقال شبيب بن شيبة:«الحمد لله، صلّى الله على رسول الله. أما بعد، فإنّا نسأل كذا، ونبذل كذا» .
وبنا- حفظك الله- أعظم الحاجة إلى أن يسلّم كتابنا هذا من النّبز «١» القبيح والشّوه «٢» المشين، واللقب السّمج المعيب، بل قد يجب أن نزيد في بهائه، ونستميل القلوب إلى اجتبائه، إذ كان الأمل فيه بعيدا، وكان معناه شريفا ثمينا.
ثم اعلم بعد ذلك أن جميع خطب العرب، من أهل المدر والوبر،