وقد رأينا الله عز وجل ردد ذكر قصة موسى وهود، وهارون وشعيب، وإبراهيم ولوط، وعاد وثمود. وكذلك ذكر الجنة والنار وأمور كثيرة، لأنه خاطب جميع الأمم من العرب وأصناف العجم، وأكثرهم غبي غافل، أو معاند مشغول الفكر ساهي القلب.
وأما أحاديث القصص والرقة فإني لم أر أحدا يعيب ذلك.
وما سمعنا بأحد من الخطباء كان يرى إعادة بعض الألفاظ وترداد المعاني عيّا، إلا ما كان من النخار بن أوس العذري، فإنه كان إذا تكلم في الحمالات «١» وفي الصفح والاحتمال، وصلاح ذات البين، وتخويف الفريقين من التفاني والبوار- كان ربما ردد الكلام عن طريق التهويل والتخويف، وربما حمى فنخر.
[[جعفر بن يحيى]]
وقال ثمامة بن أشرس «٢» : كان جعفر بن يحيى أنطق الناس، قد جمع الهدوء والتمهل، والجزالة والحلاوة، وافهاما يغنيه عن الإعادة. ولو كان في الأرض ناطق يستغني بمنطقه عن الإعادة.
وقال مرة: ما رأيت أحدا كان لا يتحبّس ولا يتوقّف، ولا يتلجلج ولا يتنحنح، ولا يرتقب لفظا قد استدعاه من بعد، ولا يلتمس التخلص إلى معنى قد تعصّى عليه طلبه، أشد اقتدارا، ولا أقلّ تكلفا، من جعفر بن يحيى.
وقال ثمامة: قلت لجعفر بن يحيى: ما البيان؟ قال: أن يكون الاسم يحيط بمعناك، ويجلي عن مغزاك، وتخرجه عن الشركة، ولا تستعين عليه بالفكرة. والذي لا بد له منه، أن يكون سليما من التكلف، بعيدا من الصنعة، بريئا من التعقد، غنيا عن التأويل.