وهذا هو تأويل قول الأصمعيّ:«البليغ من طبق المفصل «١» ، وأغناك عن المفسّر» .
وخبرني جعفر بن سعيد، رضيع أيوب بن جعفر وحاجبه، قال: ذكرت لعمرو بن مسعدة «٢» ، توقيعات جعفر بن يحيى، فقال: قد قرأت لأم جعفر توقيعات في حواشي الكتب وأسافلها فوجدتها أجود اختصارا وأجمع للمعاني.
قال: ووصف أعرابي أعرابيا بالإيجاز والإصابة فقل: «كان والله يضع الهناء مواضع النقب «٣» » . يظنون أنه نقل قول دريد بن الصمة، في الخنساء بنت عمرو بن الشريد، إلى ذلك الموضع، وكان دريد قال فيها:
ما إن رأيت ولا سمعت به ... في الناس طالي أينق جرب
متبذلا تبدو محاسنه ... يضع الهناء مواضع النقب
ويقولون في إصابة عين المعنى بالكلام الموجز:«فلان يفل المحز، ويصيب المفصل» . وأخذوا ذلك من صفة الجزار الحاذق، فجعلوه مثلا للمصيب الموجز.
وأنشدني أبو قطن الغنويّ، وهو الذي يقال له شهيد الكرم، وكان أبين من رأيته من أهل البدو والحضر:
فلو كنت مولى قيس عيلان لم تجد ... عليّ لمخلوق من الناس درهما
ولكنني مولى قضاعة كلها ... فلست أبالي أن أدين وتغرما
أولئك قوم بارك الله فيهم ... على كلّ حال ما أعفّ وأكرما
جفاة المحز لا يصيبون مفصلا ... ولا يأكلون اللحم إلا تخذما